المهندس ماجد
23-06-2009, 10:16 PM
لم تكن حكاية سقوط رجل الأعمال الشهير معن الصانع ممكنة التخيل لولا أنها قد وقعت بالفعل. وهي تبين تراكم أخطاء اشتركت فيها مؤسسات الرقابة المحلية والقطاع الخاص، الا أن المقلق في كل الأحوال تأثير سقوطه المحتمل على الأوضاع الاقتصادية، سواء في السعودية أو في منطقة الخليج التي ربطها مراقبون بتخفيض الدرجة الائتمانية قبل يومين للبنك السعودي للاستثمار والتي يقال انها من أكبر الممولين لمالك مجموعة سعد السعودية.
والتساؤلات تقع حول هوية المساعد للصانع في صناعة قراراته الاستثمارية ودعمه بالادارة لهذه الثروات. وقد يكون اللغز في الرجل الخفي معن الزاير الذي يحمل الكثير من أسرار الصانع وتوجهاته والذي يدير استثمارات الصانع الخارجية وتعمل زوجته مديرة لمستشفى سعد التخصصي الأكبر في المنطقة الشرقية في المملكة. وحتى الساعة لا يعلم أحد عن الكوارث الممكنة خلال الأيام المقبلة، الا أن «ايــلاف» ارتأت عرض المنحنى التاريخي للحكاية وبطلها الثري رجل الأعمال السعودي معن عبد الواحد الصانع.
وقفات وتساؤلات
في الرابع من مايو 2007، قالت صحيفة الشرق القطرية في خبر لها ان السلطات السعودية ألقت القبض على رجل الأعمال السعودي معن الصانع بتهمة غسل الأموال، لكن سرعان ما ظهر الصانع في الصحافة نافياً ومتوعداً برفع قضية على الصحيفة القطرية، وحضر لقاء في الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية التي يعتلي منصب نائبها وهي من النوادر في حضوره اللقاءات العامة.
وفي الثاني من يونيو 2009، أوردت صحيفة ايلاف الالكترونية من الرياض رداً أرجعته الى مصادر قانونية، وصفت فيه بيان مجموعة الصانع حول اعادة هيكلة المجموعة للتغلب على مصاعبها المالية باعتباره استخفافاً «بالسلطات النقدية في السعودية والبحرين، حيث كان هذا الملف قيد الدراسة منذ فترة طويلة. ولو أن السلطات النقدية السعودية لا تملك الوثائق والمستندات الرسمية، لم تتخذ اجراءات غير مسبوقة لأي رجل أعمال سعودي بتجميد أرصدته وأرصدة عائلته وأبنائه»، لتكون هذه خطوة جديدة في تجميد أموال عائلة سعودية لأسباب احترازية.
هذه الخطوة الحكومية لم تخل من الأسئلة. اذ يقول الكاتب السعودي عبد الله ناصر الفوزان في صحيفة الوطن السعودية: «حتى لا يقول احد اني المح الى شيء، أقول اني والله لا اعرف لماذا فعلت المؤسسة ما فعلت، لكني اعرف انها أثارت علامات استفهام كبيرة،. وأحدثت ربكة في السوق المالية ومخاوف لأصحاب الحقوق الذين يرهنون ربما تلك الأصول المالية التي جمدتها مؤسسة النقد. ولا بد أنها أيضا ألحقت أضرارا بمن يحملون شيكات من معن الصانع مقابل حقوق لهم، فمن يعطي هؤلاء حقوقهم؟».
ويبدو سؤال الفوزان استباقياً، لكن الكاتب يخلص للسؤال الأهم في نهاية مقاله، وهو السؤال الذي يجب الاجابة عنه أولا: «لحماية من قامت المؤسسة بتجميد حسابات معن الصانع؟».
بناء الإمبراطورية
في الاشهر الأولى من 2009، كان الصانع ضمن قائمة فوربس لمليونيرات العالم، حيث احتل وقتها المركز الثاني والستين بثروة تصل الى 7 مليارات دولار. وجاءت المليارات السبعة نتيجة لتحول هذا الرجل من قائد طائرة في القوات الجوية الكويتية الى رجل أعمال، وذلك بعيد سفره الى السعودية خلال عقد السبعينات. بدأ الصانع رحلته في المملكة مع عالم البناء والتعاقدات، حيث استطاع أن يمتلك في مرحلة لاحقة وبفضل هذه الرحلة أكثر من 70 شركة وتجمعاً في السعودية تختص في قطاع البناء والإنشاءات، وقطاع العقارات، وقطاع الخدمات المالية، بالإضافة إلى الاستثمارات التي توزعت في قارات العالم الخمس. ساهم زواجه من ابنة عائلة القصيبي في توطيد علاقته بعبد العزيز القصيبي والد زوجته، الذي كان يدير المجموعة في حينه قبل وفاته. ما منحه السيطرة الكاملة على مؤسسة القصيبي للصرافة، ومقرها الخبر والذي يحتل فيها منصب العضو المنتدب حتى تاريخ اليوم. وربما استطاع أن يوظف عشرات الملايين المرصودة كتأمين لمؤسسة الصرافة لدى البنوك العالمية، واستخدامها في تكوين إمبراطوريته المالية وفي دعم رحلته في السعودية. ومن خلال هذه المؤسسة الصغيرة استطاع أن يؤسس المؤسسة المصرفية العالمية في البحرين، ومن ثم بنك أوال. ولعل من أبرز استثمارات الصانع التي بات يعرفها الجميع اليوم، امتلاكه 3.1 % من أسهم بنك HSBC البريطاني، وهو البنك الأكبر أوروبياً.
مصدر قلق
يقول موقع ستراتفورد الاميركي للتحليل الاستراتيجي في تحليل له نشر على الانترنت إن الصانع كان دائماً مصدر قلق في الأوساط المالية السعودية الرسمية، بسبب عاملين: الأول هو علاقته بالكويت التي ولد بها وعمل في قواتها الجوية، والثاني هو تحويلاته المالية التي كان من الصعب متابعتها. وما الضربة التي وجهت إلى الصانع سوى تأكيد بأن المملكة لن تسمح للأصول المسمومة بالتسرب إلى قطاعها المالي والمصرفي رغم متابعة وقوة هذا القطاع وعدم تأثره بصورة مهمة بالأزمة المالية العالمية. إذ كانت المملكة أعلنت عن ميزانية وصلت إلى نحو 130 مليار دولار خلال 2009 رغم الأزمة. لكن الأزمة أصبحت وسيلة تضغط بها المؤسسة المالية السعودية الرسمية على المجموعات العائلية ومن بينها مجموعة الصانع، التي شهدت خلال العقود الماضية تفرعاً غير مسبوق في الاستثمار في كل القطاعات، وخصوصا قطاعي المال والعقارات المتأثرين الرئيسيين بالأزمة.
ملامح الانهيار
السؤال الذي يضاف إلى كل ما سبق هو: كيف بدأت ملامح الانهيار؟ تأتي الإجابة كالتالي: في الثاني عشر من مايو الماضي، أعلن أحد البنوك التي تعود ملكيته إلى احمد حمد القصيبي وإخوانه في البحرين، والذي يديره الصانع باعتباره مديراً إداريا، عن قيم مديونيته. وهو الأمر الذي أسفر عن تأويلات راجت حول قيام البنك بالاستعانة بالمؤسسات العالمية، من اجل إعادة هيكلة ديونه، ولينتقل مستوى الأمان الائتماني في البنك إلى المنطقة السالبة، بحسب وكالة ستاندرد أند بورز، وهي المؤسسة التي أكدت أن البنك امتلك نحو 400 مليون دولار كان من الممكن أن يسدد من خلالها ديونه، لكنه لم يقم بذلك. لماذا؟ لأن الشركة التي كانت تشرف على البنك، وهي الشركة التي تعود للصانع نفسه رفضت تسييل أصولها، ورفضت أن تتحمل دين البنك. بحلول 22 مايو، كان من الواضح أن البنك تورط في تحويلات مالية وقروض وصلت قيمتها إلى مليار دولار. هنا حاول الصانع إبعاد نفسه عن البنك المنهار، حيث قال بيان صادر عنه في لندن إن الأخير لم يقم بدوره كمدير إداري للبنك البحريني خلال السنوات الماضية، وان البنك لا علاقة له بالشركة الرئيسة، التي تشرف عليه كما هو مفترض والتي تعود للصانع.
تحرك حكومي
وفي غمرة الأخذ والرد، كان من الواضح أن حكومات كل من البحرين والإمارات والسعودية لن تقف مكتوفة اليدين أمام ما يحدث. وما زاد الأمر سوءاً هو قيام «ستاندرد أند بورز» بتقييم مجموعة الصانع على أنها في المنطقة السالبة من حيث الاستقرار، بسبب اعتمادها المفرط على الاستثمار في القطاعين المالي والعقاري العالميين، وكلاهما تلقى ضربة قاضية، خصوصا لدى الحديث عن القطاع العقاري في منطقة الخليج. وبدأت البنوك البحرينية والإماراتية تطالب الصانع بضرورة إعادة قروضها لها، لأنها لن تتحمل خسارة أخرى، بعد كل الذي عاشته خلال الأشهر الصعبة الماضية، خصوصا بعد أن أصبحت استثماراته بسبب تراجع التصنيفات الائتمانية في مخاطر عالية. لكن الحكومة السعودية قررت تجاوز الجميع، والإسراع إلى تجميد أصوله من اجل الحفاظ على القطاع المالي السعودي من أي انهيار. الحركة تمت بصمت بالغ.
النفي بعد النفي
في الثامن والعشرين وفي الثلاثين من مايو، قامت مؤسسة النقد السعودية بإرسال إشعارات سرية إلى البنوك طالبة تجميد جميع أصول الصانع وزوجته وأربعة من أولاده. وبسرعة البرق تسرب الخبر إلى الرأي العام، خصوصا أنها الخطوة الأولى من نوعها تجاه واحدة من أغنى العائلات السعودية، التي عليها العديد من الشيكات التي يجب أن تدفع. لكن الصانع واصل إصدار البيانات، وقال في آخرها: «أدت الأزمة الائتمانية إلى خفض مفاجئ للتسهيلات المتوافرة والممنوحة من قبل البنوك الإقليمية والعالمية. الأمر الذي أدى الى تعثر شركات محلية أخرى، وحجم التسهيلات الائتمانية القائمة كان يعاد تجديدها أو زيادتها. كما أن الشركات العاملة لم تتضرر، وسنظل نعمل بجد ليس للخروج فقط من تلك المشكلة التي لم نتأثر بها وحدنا، لكن تأثرت بها جميع المؤسسات الكبرى في العالم. ونؤكد أن العمل مستمر وواثقون من نجاحنا في تخطي تلك المشكلة. كما أسعدنا التزام ومساندة عموم المتعاملين مع المجموعة على مواصلة التعامل معنا في هذه المعضلة. ونقدر لهم ولشركائنا ومستشارينا المهنيين دعمهم المستمر ووقوفهم بجانبنا لنصل الى ما فيه مصلحة الجميع». ويضيف الصانع في جزء آخر من البيان: «أدت أحداث خارجية الى نقص سيولة قصيرة الأجل شملت الشركات المحلية والخارجية. كما أثرت أحداث لها علاقة بالقطاع البنكي بالبحرين الى تناقص السيولة القصيرة الأجل لبعض شركات مجموعة سعد في الشرق الأوسط. لكننا مستمرون في العمل من أجل تدارك ذلك. ويجري الآن التخطيط لاعادة هيكلة الشركات بالتعاون مع المتعاملين معنا ومستشارينا الدوليين». هذا ما اعتبرته الأوساط المالية التي تتابع القضية بأنه اعتراف من الصانع بمسؤوليته عن الشركة المشرفة على البنك البحريني للمرة الأولى!
ضربة وراء ضربة
وبحسب موقع ستراتفورد للتحليلات الاستراتيجية، فان الصانع تلقى في الثاني من يونيو ضربة أخرى، حين قررت موديز خفض مستويات الثقة في شركات الصانع الرئيسية 6 مستويات متكاملة من 1Baa الى 1B، اي بصريح العبارة قالت الوكالة: «لا تستثمروا مع الصانع»، لان امكانية اشتداد أزمة السيولة لدى المجموعة واردة. ومن الواضح أن «الصانع لا يربح المعركة» بحسب وصف الصحف الأوروبية. والسؤال المضاف الى كل الأسئلة الآن: ما هو التالي؟ هل سيتم الترويج مستقبلاً الى أن ما يحدث للصانع هو من ضمن أعمال الاصلاح القائمة في المملكة؟ لكن أصول الصانع الكويتية ربما تكون قد لعبت دوراً في تحديد الاجراءات التي تلقاها والتي ساهمت في غرق مجموعته بسرعة، بعد أن كان 26 بنكا أوروبيا وشرق أوسطيا يسارع اليه ليقدم له قرضاً بقيمة تجاوزت 2.5 مليار دولار في بداية الأزمة العالمية.
4 مليارات دولار كانت إيرادات مجموعة السعد
يرأس الصانع مجموعة سعد التي يعمل فيها مئات الموظفين في جميع أنحاء العالم، وقد تجاوزت ايراداتها غير المدققة 4 مليارات دولار العام الماضي.
وقد كان الصانع ضمن كونسرتيوم يضم مستثمرين من الشرق الأوسط الذين اشتروا حصة في بنك الصين، ثاني اكبر بنوك الصين من حيث الأصول.
«سعد للاستثمار»
حازت «سعد للاستثمار» في وقت سابق التصنيف الائتماني BBB+، وBaa1 من قبل «استاندرد آند بورز» و«وموديز»، التي تعد من إحدى شركات مجموعة سعد وتملك نحو 29.2% من مجموعة «بيركلي» البريطانية. وقد بدأت باكورة نشاطات المجموعة في مطلع الثمانينات، وذلك من خلال شركة سعد للتجارة والمقاولات، الشركة الأم للمجموعة، التي عملت بعد ذلك على تطوير عملها بشكل حيوي وسريع. وتنوعت مهامها وتشعبت أنشطتها، بحيث أصبحت تشمل معظم قطاعات الاقتصاد، لتحقق انتشاراً تعدى نطاق الإقليمية إلى العالمية حيث شمل، إضافة إلى القارة الأوروبية، اليابان واستراليا والهند والصين وعددا من الدول الأفريقية.
يتبع
والتساؤلات تقع حول هوية المساعد للصانع في صناعة قراراته الاستثمارية ودعمه بالادارة لهذه الثروات. وقد يكون اللغز في الرجل الخفي معن الزاير الذي يحمل الكثير من أسرار الصانع وتوجهاته والذي يدير استثمارات الصانع الخارجية وتعمل زوجته مديرة لمستشفى سعد التخصصي الأكبر في المنطقة الشرقية في المملكة. وحتى الساعة لا يعلم أحد عن الكوارث الممكنة خلال الأيام المقبلة، الا أن «ايــلاف» ارتأت عرض المنحنى التاريخي للحكاية وبطلها الثري رجل الأعمال السعودي معن عبد الواحد الصانع.
وقفات وتساؤلات
في الرابع من مايو 2007، قالت صحيفة الشرق القطرية في خبر لها ان السلطات السعودية ألقت القبض على رجل الأعمال السعودي معن الصانع بتهمة غسل الأموال، لكن سرعان ما ظهر الصانع في الصحافة نافياً ومتوعداً برفع قضية على الصحيفة القطرية، وحضر لقاء في الغرفة التجارية الصناعية في المنطقة الشرقية التي يعتلي منصب نائبها وهي من النوادر في حضوره اللقاءات العامة.
وفي الثاني من يونيو 2009، أوردت صحيفة ايلاف الالكترونية من الرياض رداً أرجعته الى مصادر قانونية، وصفت فيه بيان مجموعة الصانع حول اعادة هيكلة المجموعة للتغلب على مصاعبها المالية باعتباره استخفافاً «بالسلطات النقدية في السعودية والبحرين، حيث كان هذا الملف قيد الدراسة منذ فترة طويلة. ولو أن السلطات النقدية السعودية لا تملك الوثائق والمستندات الرسمية، لم تتخذ اجراءات غير مسبوقة لأي رجل أعمال سعودي بتجميد أرصدته وأرصدة عائلته وأبنائه»، لتكون هذه خطوة جديدة في تجميد أموال عائلة سعودية لأسباب احترازية.
هذه الخطوة الحكومية لم تخل من الأسئلة. اذ يقول الكاتب السعودي عبد الله ناصر الفوزان في صحيفة الوطن السعودية: «حتى لا يقول احد اني المح الى شيء، أقول اني والله لا اعرف لماذا فعلت المؤسسة ما فعلت، لكني اعرف انها أثارت علامات استفهام كبيرة،. وأحدثت ربكة في السوق المالية ومخاوف لأصحاب الحقوق الذين يرهنون ربما تلك الأصول المالية التي جمدتها مؤسسة النقد. ولا بد أنها أيضا ألحقت أضرارا بمن يحملون شيكات من معن الصانع مقابل حقوق لهم، فمن يعطي هؤلاء حقوقهم؟».
ويبدو سؤال الفوزان استباقياً، لكن الكاتب يخلص للسؤال الأهم في نهاية مقاله، وهو السؤال الذي يجب الاجابة عنه أولا: «لحماية من قامت المؤسسة بتجميد حسابات معن الصانع؟».
بناء الإمبراطورية
في الاشهر الأولى من 2009، كان الصانع ضمن قائمة فوربس لمليونيرات العالم، حيث احتل وقتها المركز الثاني والستين بثروة تصل الى 7 مليارات دولار. وجاءت المليارات السبعة نتيجة لتحول هذا الرجل من قائد طائرة في القوات الجوية الكويتية الى رجل أعمال، وذلك بعيد سفره الى السعودية خلال عقد السبعينات. بدأ الصانع رحلته في المملكة مع عالم البناء والتعاقدات، حيث استطاع أن يمتلك في مرحلة لاحقة وبفضل هذه الرحلة أكثر من 70 شركة وتجمعاً في السعودية تختص في قطاع البناء والإنشاءات، وقطاع العقارات، وقطاع الخدمات المالية، بالإضافة إلى الاستثمارات التي توزعت في قارات العالم الخمس. ساهم زواجه من ابنة عائلة القصيبي في توطيد علاقته بعبد العزيز القصيبي والد زوجته، الذي كان يدير المجموعة في حينه قبل وفاته. ما منحه السيطرة الكاملة على مؤسسة القصيبي للصرافة، ومقرها الخبر والذي يحتل فيها منصب العضو المنتدب حتى تاريخ اليوم. وربما استطاع أن يوظف عشرات الملايين المرصودة كتأمين لمؤسسة الصرافة لدى البنوك العالمية، واستخدامها في تكوين إمبراطوريته المالية وفي دعم رحلته في السعودية. ومن خلال هذه المؤسسة الصغيرة استطاع أن يؤسس المؤسسة المصرفية العالمية في البحرين، ومن ثم بنك أوال. ولعل من أبرز استثمارات الصانع التي بات يعرفها الجميع اليوم، امتلاكه 3.1 % من أسهم بنك HSBC البريطاني، وهو البنك الأكبر أوروبياً.
مصدر قلق
يقول موقع ستراتفورد الاميركي للتحليل الاستراتيجي في تحليل له نشر على الانترنت إن الصانع كان دائماً مصدر قلق في الأوساط المالية السعودية الرسمية، بسبب عاملين: الأول هو علاقته بالكويت التي ولد بها وعمل في قواتها الجوية، والثاني هو تحويلاته المالية التي كان من الصعب متابعتها. وما الضربة التي وجهت إلى الصانع سوى تأكيد بأن المملكة لن تسمح للأصول المسمومة بالتسرب إلى قطاعها المالي والمصرفي رغم متابعة وقوة هذا القطاع وعدم تأثره بصورة مهمة بالأزمة المالية العالمية. إذ كانت المملكة أعلنت عن ميزانية وصلت إلى نحو 130 مليار دولار خلال 2009 رغم الأزمة. لكن الأزمة أصبحت وسيلة تضغط بها المؤسسة المالية السعودية الرسمية على المجموعات العائلية ومن بينها مجموعة الصانع، التي شهدت خلال العقود الماضية تفرعاً غير مسبوق في الاستثمار في كل القطاعات، وخصوصا قطاعي المال والعقارات المتأثرين الرئيسيين بالأزمة.
ملامح الانهيار
السؤال الذي يضاف إلى كل ما سبق هو: كيف بدأت ملامح الانهيار؟ تأتي الإجابة كالتالي: في الثاني عشر من مايو الماضي، أعلن أحد البنوك التي تعود ملكيته إلى احمد حمد القصيبي وإخوانه في البحرين، والذي يديره الصانع باعتباره مديراً إداريا، عن قيم مديونيته. وهو الأمر الذي أسفر عن تأويلات راجت حول قيام البنك بالاستعانة بالمؤسسات العالمية، من اجل إعادة هيكلة ديونه، ولينتقل مستوى الأمان الائتماني في البنك إلى المنطقة السالبة، بحسب وكالة ستاندرد أند بورز، وهي المؤسسة التي أكدت أن البنك امتلك نحو 400 مليون دولار كان من الممكن أن يسدد من خلالها ديونه، لكنه لم يقم بذلك. لماذا؟ لأن الشركة التي كانت تشرف على البنك، وهي الشركة التي تعود للصانع نفسه رفضت تسييل أصولها، ورفضت أن تتحمل دين البنك. بحلول 22 مايو، كان من الواضح أن البنك تورط في تحويلات مالية وقروض وصلت قيمتها إلى مليار دولار. هنا حاول الصانع إبعاد نفسه عن البنك المنهار، حيث قال بيان صادر عنه في لندن إن الأخير لم يقم بدوره كمدير إداري للبنك البحريني خلال السنوات الماضية، وان البنك لا علاقة له بالشركة الرئيسة، التي تشرف عليه كما هو مفترض والتي تعود للصانع.
تحرك حكومي
وفي غمرة الأخذ والرد، كان من الواضح أن حكومات كل من البحرين والإمارات والسعودية لن تقف مكتوفة اليدين أمام ما يحدث. وما زاد الأمر سوءاً هو قيام «ستاندرد أند بورز» بتقييم مجموعة الصانع على أنها في المنطقة السالبة من حيث الاستقرار، بسبب اعتمادها المفرط على الاستثمار في القطاعين المالي والعقاري العالميين، وكلاهما تلقى ضربة قاضية، خصوصا لدى الحديث عن القطاع العقاري في منطقة الخليج. وبدأت البنوك البحرينية والإماراتية تطالب الصانع بضرورة إعادة قروضها لها، لأنها لن تتحمل خسارة أخرى، بعد كل الذي عاشته خلال الأشهر الصعبة الماضية، خصوصا بعد أن أصبحت استثماراته بسبب تراجع التصنيفات الائتمانية في مخاطر عالية. لكن الحكومة السعودية قررت تجاوز الجميع، والإسراع إلى تجميد أصوله من اجل الحفاظ على القطاع المالي السعودي من أي انهيار. الحركة تمت بصمت بالغ.
النفي بعد النفي
في الثامن والعشرين وفي الثلاثين من مايو، قامت مؤسسة النقد السعودية بإرسال إشعارات سرية إلى البنوك طالبة تجميد جميع أصول الصانع وزوجته وأربعة من أولاده. وبسرعة البرق تسرب الخبر إلى الرأي العام، خصوصا أنها الخطوة الأولى من نوعها تجاه واحدة من أغنى العائلات السعودية، التي عليها العديد من الشيكات التي يجب أن تدفع. لكن الصانع واصل إصدار البيانات، وقال في آخرها: «أدت الأزمة الائتمانية إلى خفض مفاجئ للتسهيلات المتوافرة والممنوحة من قبل البنوك الإقليمية والعالمية. الأمر الذي أدى الى تعثر شركات محلية أخرى، وحجم التسهيلات الائتمانية القائمة كان يعاد تجديدها أو زيادتها. كما أن الشركات العاملة لم تتضرر، وسنظل نعمل بجد ليس للخروج فقط من تلك المشكلة التي لم نتأثر بها وحدنا، لكن تأثرت بها جميع المؤسسات الكبرى في العالم. ونؤكد أن العمل مستمر وواثقون من نجاحنا في تخطي تلك المشكلة. كما أسعدنا التزام ومساندة عموم المتعاملين مع المجموعة على مواصلة التعامل معنا في هذه المعضلة. ونقدر لهم ولشركائنا ومستشارينا المهنيين دعمهم المستمر ووقوفهم بجانبنا لنصل الى ما فيه مصلحة الجميع». ويضيف الصانع في جزء آخر من البيان: «أدت أحداث خارجية الى نقص سيولة قصيرة الأجل شملت الشركات المحلية والخارجية. كما أثرت أحداث لها علاقة بالقطاع البنكي بالبحرين الى تناقص السيولة القصيرة الأجل لبعض شركات مجموعة سعد في الشرق الأوسط. لكننا مستمرون في العمل من أجل تدارك ذلك. ويجري الآن التخطيط لاعادة هيكلة الشركات بالتعاون مع المتعاملين معنا ومستشارينا الدوليين». هذا ما اعتبرته الأوساط المالية التي تتابع القضية بأنه اعتراف من الصانع بمسؤوليته عن الشركة المشرفة على البنك البحريني للمرة الأولى!
ضربة وراء ضربة
وبحسب موقع ستراتفورد للتحليلات الاستراتيجية، فان الصانع تلقى في الثاني من يونيو ضربة أخرى، حين قررت موديز خفض مستويات الثقة في شركات الصانع الرئيسية 6 مستويات متكاملة من 1Baa الى 1B، اي بصريح العبارة قالت الوكالة: «لا تستثمروا مع الصانع»، لان امكانية اشتداد أزمة السيولة لدى المجموعة واردة. ومن الواضح أن «الصانع لا يربح المعركة» بحسب وصف الصحف الأوروبية. والسؤال المضاف الى كل الأسئلة الآن: ما هو التالي؟ هل سيتم الترويج مستقبلاً الى أن ما يحدث للصانع هو من ضمن أعمال الاصلاح القائمة في المملكة؟ لكن أصول الصانع الكويتية ربما تكون قد لعبت دوراً في تحديد الاجراءات التي تلقاها والتي ساهمت في غرق مجموعته بسرعة، بعد أن كان 26 بنكا أوروبيا وشرق أوسطيا يسارع اليه ليقدم له قرضاً بقيمة تجاوزت 2.5 مليار دولار في بداية الأزمة العالمية.
4 مليارات دولار كانت إيرادات مجموعة السعد
يرأس الصانع مجموعة سعد التي يعمل فيها مئات الموظفين في جميع أنحاء العالم، وقد تجاوزت ايراداتها غير المدققة 4 مليارات دولار العام الماضي.
وقد كان الصانع ضمن كونسرتيوم يضم مستثمرين من الشرق الأوسط الذين اشتروا حصة في بنك الصين، ثاني اكبر بنوك الصين من حيث الأصول.
«سعد للاستثمار»
حازت «سعد للاستثمار» في وقت سابق التصنيف الائتماني BBB+، وBaa1 من قبل «استاندرد آند بورز» و«وموديز»، التي تعد من إحدى شركات مجموعة سعد وتملك نحو 29.2% من مجموعة «بيركلي» البريطانية. وقد بدأت باكورة نشاطات المجموعة في مطلع الثمانينات، وذلك من خلال شركة سعد للتجارة والمقاولات، الشركة الأم للمجموعة، التي عملت بعد ذلك على تطوير عملها بشكل حيوي وسريع. وتنوعت مهامها وتشعبت أنشطتها، بحيث أصبحت تشمل معظم قطاعات الاقتصاد، لتحقق انتشاراً تعدى نطاق الإقليمية إلى العالمية حيث شمل، إضافة إلى القارة الأوروبية، اليابان واستراليا والهند والصين وعددا من الدول الأفريقية.
يتبع