إبراهيم سداح
05-12-2009, 05:34 AM
التمرد الحوثي واستراتيجية خلط الأوراق
بقلم: د. حسن أبوطالب
الحرب السادسة هو التعبير الشائع عن المواجهات العسكرية التي تدور رحاها في محافظة صعدة اليمنية منذ أغسطس الماضي, وذلك بعد خمس مواجهات سابقة جرت في الفترة من2004 إلي2008 وكانت تنتهي دائما بوقف مفاجئ لاطلاق النار أو اعلان تسوية سياسية أو عفو عام لم يكن يصمد طويلا. والمواجهة الاخيرة امتدت بقعتها بعد11/4 الجاري لتشمل ايضا مناطق حدودية مع السعودية بعد أن تسلل عدد من أنصار الحوثي إلي موقع حدودي سعودي في منطقة جازان, اذ اشتبكوا مع عناصره العسكرية وقتلوا اثنين منهم وجرحوا آخرين. بعدها تدخلت القوات الجوية السعودية ثم البرية لوقف عمليات التسلل وتمشيط المنطقة الحدودية, وردع أية عمليات تسلل قد تحدث في المستقبل.
ويؤخد في الاعتبار هنا التأكيدات السعودية الرسمية والحاسمة بأنه لانية اطلاقا للتدخل في الاراضي اليمنية, وأن الهدف الاول والاخير هو وقف أي اعتداءات علي السيادة والارض السعودية, وبالتالي تأمين الحدود المشتركة والمواطنين الذين يعيشون في القري الحدودية.
ويعد التدخل السعودي العسكري تطورا لافتا للنظر من ناحيتين.. الاولي: ميدانية والثانية: سياسية ذات طابع اقليمي, فمن الناحية الميدانية, ووفقا لتطور المواجهة بين الحوثيين والقوات اليمنية منذ11 أغسطس وحتي نهاية أكتوبر الماضي فقد تحددت حصيلة المواجهة في فشل التمرد الحوثي في إحداث التمدد الميداني الذي كان قد خطط له من قبل, أو بعبارة أخري فشل استراتيجية نقل الحرب من حدود محافظة صعدة إلي العاصمة صنعاء وإلي محافظة حجة التي تقع في جنوب غرب محافظة صعدة ذاتها, فبعد ثلاثة أسابيع من بدء المواجهة استطاعت القوات اليمنية السيطرة علي منطقة حرف سفيان الاستراتيجية, والتي تعد الرابط الجغرافي الطبيعي بين صعدة وصنعاء, كما استطاعت أيضا في فترة لاحقة السيطرة علي منطقة الملاحيظ التي تعد بدورها الرابط الطبيعي بين صعدة وحجة, وبذلك انحصرت المواجهة العسكرية في حدود محافظة صعدة والتي ترتبط جغرافيا بالاراضي السعودية من ناحية الشمال.
ومع اشتداد الضغط العسكري للقوات اليمنية, والسيطرة علي شبكة المنافذ الجنوبية والغربية لصعدة واحكام الحصار حول المواقع الجبلية الوعرة التي يسيطر عليها التمرد الحوثي, بما في ذلك مناطق الغابات والاحراش التي تمتد طبيعيا إلي الاراضي السعودية شمالا, بدا أمام التمرد الحوثي خياران اما الاستسلام خاصة مع ضعف خطوط الامداد البشرية والمادية وبداية نفاد المؤن التي توافرت من قبل, فضلا عن مقتل أعداد كبيرة غير معلومة بدقة من عناصر التمرد. أو استمرار المواجهة عبر تغيير خريطتها وادخال عناصر أخري في صلبها لعل ذلك يجلب نوعا من الضغط الدولي والاقليمي ينهي المواجهة ويفرض تسوية تقبلها الحكومة اليمنية تضمن اعترافا بالتمرد الحوثي ومطالبه المختلفة, وهنا يأتي البعد السياسي المتعلق بخطة جذب السعودية لكي تكون طرفا مباشرا في المواجهة كجزء من اعادة تشكيل معادلة المواجهة من كونها معادلة مواجهة سلطات شرعية لتمرد مسلح خارج علي الدستور والقانون إلي معادلة صراع اقليمي وتدخل خارجي في شأن محلي يمني داخلي.
ومن يتابع الاداء الاعلامي لمكتب عبدالملك الحوثي القائد الميداني للتمرد وأخيه يحيي الموجود في المانيا, ومنذ الأيام الاولي للمواجهة العسكرية مع القوات اليمنية, يمكنه التعرف علي مقدمات خطة جذب السعودية في الصراع اليمني, فقد تم التركيز علي نقطتين: الاولي ان هناك دعما سعوديا للحكومة اليمنية بأشكال مختلفة, مالية, وتسليحية واقتصادية, مع تصوير هذا الدعم كتدخل مرفوض وأنه موجه بالاساس إلي الحوثيين الذين يدافعون عن أنفسهم وعن وجودهم في بلادهم. كانت الفكرة هنا هي محاولة جلب تعاطف شعبي للتمرد باعتباره طليعة مواجهة التدخل الخارجي في الشأن المحلي اليمني, وكان الرد علي هذا ادعاء بسيطا للغاية, لان العلاقات اليمنية ـ السعودية هي علاقات شاملة وذات ابعاد تنموية وتعود إلي عقود مضت وقبل أن يظهر في الأفق ما يعرف بالتمرد الحوثي.
أما النقطة الثانية في الاداء الاعلامي للحوثيين فكانت تنطلق من فكرة أن الحملة العسكرية اليمنية هي جزء من حملة أكبر علي القوي الاسلامية التي ترفض الهيمنة الامريكية والاسرائيلية علي المنطقة. ومن هنا تعددت اتهامات الحوثيين للمملكة بأنها هي التي حرضت الحكومة اليمنية علي القيام بعمل عسكري كبير ضد جزء من أبناء اليمن لاعتبارات لاعلاقة لها بالمصالح اليمنية ذاتها, وفي كلا البعدين استهدف الحوثيون اضفاء مكانة جهادية علي تصرفاتهم, وأنهم جزء من تحرك أكبر يواجه الولايات المتحدة والدول العربية الصديقة لها, لعل ذلك يجلب تأييدا من قبل الرأي العام العربي والاسلامي, ويبرر ولو بطريق غير مباشر الحصول علي دعم خارجي سياسي ومعنوي وإعلامي من قبل ايران والقوي المناصرة لها. كما استهدف أيضا التشويش علي طبيعة الحركة ذاتها لاسيما كونها حركة هدفها الاول انهاء النظام الجمهوري اليمني وفرض سلطة دينية مذهبية علي كل أبناء محافظة صعدة, مستخدمة في ذلك الترويع والقوة والاجبار بأشكاله المختلفة ودفع المواطنين لعدم الاعتراف بسلطة الدولة أو قانونها.
بيد أن هذا الاداء الاعلامي للحوثيين لم يحقق ماهو مستهدف, لاسيما ان يقف الناس مع حركة تمرد مسلحة تحصل علي دعم خارجي لغرض انهاء سلطة الدولة ويمدونها بالدعم البشري والسياسي. وهكذا اجتمع فشلان معا, الاول ميداني والثاني دعائي وسياسي ومن هنا كان المخرج هو اعادة تشكيل خريطة المواجهة عبر توريط أطراف خارجية في صلبها. وهنا فان مسألة التوريط أو التورط لها شكلان إما تورط بقرار ذاتي للتأثير علي حصيلة المواجهة ومسيرتها والمشاركة فيها عن وعي وقصد, وإما تدخل اضطراري ولهدف محدد. وإذا نظرنا لما قامت به القوات السعودية بعد11/4 الجاري يمكن الاستنتاج أننا أمام نموذج للتدخل الاضطراري ولهدف محدد زمنيا ومكانيا يمكن تحديده في وقف عمليات التسلل وحماية سيادة البلاد. وهما هدفان وان كانا لايؤثران بشكل مباشر علي المواجهة بين القوات اليمنية وبين عناصر التمرد الحوثي, إلا أن لهما انعكاسات استراتيجية وميدانية كبري.
من بين هذه الانعكاسات الميدانية أن تنحصر المواجهة في الاراضي اليمنية وحسب, ولما كان توازن القوي بين القوات اليمنية وبين عناصر التمرد الحوثي هو لصالح الطرف الاول, فان احتمال الحسم العسكري يبدو أكبر كثيرا وفي مدي زمني مناسب, خاصة في ضوء المؤشرات التي ترجح وجود أكثر من انشقاق بين قيادات التمرد الحوثي وبعضها موجه لعبد الملك الذي يعتبر نفسه خليفة أبيه وأخيه حسين في قيادة الحركة رغم صغر سنه وقلة خبرته, فضلا عن توقف الدعم الذي كانت تحصل عليه الحركة من بعض القبائل اليمنية التي دخلت في مناكفات مع الدولة لاسباب لاعلاقة لها بأهداف التمرد الحوثي نفسه.
لكن الواقع يتطلب التذكير بأن الحسم الميداني لن يكون خاتمة المطاف, إذ سيظل هناك احتمال كبير بأن تحدث عمليات عنف ضد المدنيين وسلطات الدولة من بقايا التمرد الحوثي الذين سيمكنهم الفرار والاختباء في الاماكن الجبلية التي يصعب الوصول إليها. وهذه صورة مصغرة من حرب عصابات قد تأخذ بعض الوقت ولكنها لن تؤثر علي صيغة النظام الجمهوري القائم, ولن تجعل الحوثيين في الموقف الذي سعوا اليه, أي التفاوض مع الدولة من موقع قوة والحصول منها علي تنارلات كبيرة واعتراف بأنهم قوة سياسية ومذهبية ذات طابع خاص بعيدة عن القانون والدستور.
في حالة حرب العصابات هذه وقد بدأت تظهر بعض مؤشراتها بالفعل, يبدو ان التعاون بين عناصر التمرد الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن وأرض الحرمين الشريفين, الذي أعلن عن نفسه مطلع هذا العام, سيكون شيئا طبيعيا فكلاهما عناصر للتمرد المسلح, وكلاهما يهدف إلي القضاء علي النظام اليمني, وكلاهما يعمل علي بث روح الفرقة والتمرد في المجتمع اليمني, وكلاهما أيضا يستخدم أساليب العنف المادي, وكلاهما مكتوب عليه الفشل حتي ولو حقق بعض النجاحات في عمليات صغيرة كاغتيال مسئول كبير أو قصف موقع مدني أو عسكري, فكل هذه العمليات لايمكنها ان تقدم بديلا أو تنهي نظاما ومؤسسات ولكنها للأسف الشديد تثير الفوضي وتنشر المظالم وتبرر أحيانا العنف المؤسسي المضاد, وفي تصوري أن هذا ما يجب ان يعمل علي مواجهته كل عقلاء اليمن, ومن كل الاتجاهات فاذا كان الحوار مطلوبا لحل أزمة النظام السياسي والتوصل إلي صيغة مقبولة ديمقراطيا بين كل مكونات المجتمع اليمني التي تقبل الدستور, فان المواجهة ايضا وبكل قوة مطلوبة مع هؤلاء الذين يرفعون السلاح ولايعترفون بالدستور والقانون والمؤسسات الشرعية.
جريدة الأهرام11/11/2009
بقلم: د. حسن أبوطالب
الحرب السادسة هو التعبير الشائع عن المواجهات العسكرية التي تدور رحاها في محافظة صعدة اليمنية منذ أغسطس الماضي, وذلك بعد خمس مواجهات سابقة جرت في الفترة من2004 إلي2008 وكانت تنتهي دائما بوقف مفاجئ لاطلاق النار أو اعلان تسوية سياسية أو عفو عام لم يكن يصمد طويلا. والمواجهة الاخيرة امتدت بقعتها بعد11/4 الجاري لتشمل ايضا مناطق حدودية مع السعودية بعد أن تسلل عدد من أنصار الحوثي إلي موقع حدودي سعودي في منطقة جازان, اذ اشتبكوا مع عناصره العسكرية وقتلوا اثنين منهم وجرحوا آخرين. بعدها تدخلت القوات الجوية السعودية ثم البرية لوقف عمليات التسلل وتمشيط المنطقة الحدودية, وردع أية عمليات تسلل قد تحدث في المستقبل.
ويؤخد في الاعتبار هنا التأكيدات السعودية الرسمية والحاسمة بأنه لانية اطلاقا للتدخل في الاراضي اليمنية, وأن الهدف الاول والاخير هو وقف أي اعتداءات علي السيادة والارض السعودية, وبالتالي تأمين الحدود المشتركة والمواطنين الذين يعيشون في القري الحدودية.
ويعد التدخل السعودي العسكري تطورا لافتا للنظر من ناحيتين.. الاولي: ميدانية والثانية: سياسية ذات طابع اقليمي, فمن الناحية الميدانية, ووفقا لتطور المواجهة بين الحوثيين والقوات اليمنية منذ11 أغسطس وحتي نهاية أكتوبر الماضي فقد تحددت حصيلة المواجهة في فشل التمرد الحوثي في إحداث التمدد الميداني الذي كان قد خطط له من قبل, أو بعبارة أخري فشل استراتيجية نقل الحرب من حدود محافظة صعدة إلي العاصمة صنعاء وإلي محافظة حجة التي تقع في جنوب غرب محافظة صعدة ذاتها, فبعد ثلاثة أسابيع من بدء المواجهة استطاعت القوات اليمنية السيطرة علي منطقة حرف سفيان الاستراتيجية, والتي تعد الرابط الجغرافي الطبيعي بين صعدة وصنعاء, كما استطاعت أيضا في فترة لاحقة السيطرة علي منطقة الملاحيظ التي تعد بدورها الرابط الطبيعي بين صعدة وحجة, وبذلك انحصرت المواجهة العسكرية في حدود محافظة صعدة والتي ترتبط جغرافيا بالاراضي السعودية من ناحية الشمال.
ومع اشتداد الضغط العسكري للقوات اليمنية, والسيطرة علي شبكة المنافذ الجنوبية والغربية لصعدة واحكام الحصار حول المواقع الجبلية الوعرة التي يسيطر عليها التمرد الحوثي, بما في ذلك مناطق الغابات والاحراش التي تمتد طبيعيا إلي الاراضي السعودية شمالا, بدا أمام التمرد الحوثي خياران اما الاستسلام خاصة مع ضعف خطوط الامداد البشرية والمادية وبداية نفاد المؤن التي توافرت من قبل, فضلا عن مقتل أعداد كبيرة غير معلومة بدقة من عناصر التمرد. أو استمرار المواجهة عبر تغيير خريطتها وادخال عناصر أخري في صلبها لعل ذلك يجلب نوعا من الضغط الدولي والاقليمي ينهي المواجهة ويفرض تسوية تقبلها الحكومة اليمنية تضمن اعترافا بالتمرد الحوثي ومطالبه المختلفة, وهنا يأتي البعد السياسي المتعلق بخطة جذب السعودية لكي تكون طرفا مباشرا في المواجهة كجزء من اعادة تشكيل معادلة المواجهة من كونها معادلة مواجهة سلطات شرعية لتمرد مسلح خارج علي الدستور والقانون إلي معادلة صراع اقليمي وتدخل خارجي في شأن محلي يمني داخلي.
ومن يتابع الاداء الاعلامي لمكتب عبدالملك الحوثي القائد الميداني للتمرد وأخيه يحيي الموجود في المانيا, ومنذ الأيام الاولي للمواجهة العسكرية مع القوات اليمنية, يمكنه التعرف علي مقدمات خطة جذب السعودية في الصراع اليمني, فقد تم التركيز علي نقطتين: الاولي ان هناك دعما سعوديا للحكومة اليمنية بأشكال مختلفة, مالية, وتسليحية واقتصادية, مع تصوير هذا الدعم كتدخل مرفوض وأنه موجه بالاساس إلي الحوثيين الذين يدافعون عن أنفسهم وعن وجودهم في بلادهم. كانت الفكرة هنا هي محاولة جلب تعاطف شعبي للتمرد باعتباره طليعة مواجهة التدخل الخارجي في الشأن المحلي اليمني, وكان الرد علي هذا ادعاء بسيطا للغاية, لان العلاقات اليمنية ـ السعودية هي علاقات شاملة وذات ابعاد تنموية وتعود إلي عقود مضت وقبل أن يظهر في الأفق ما يعرف بالتمرد الحوثي.
أما النقطة الثانية في الاداء الاعلامي للحوثيين فكانت تنطلق من فكرة أن الحملة العسكرية اليمنية هي جزء من حملة أكبر علي القوي الاسلامية التي ترفض الهيمنة الامريكية والاسرائيلية علي المنطقة. ومن هنا تعددت اتهامات الحوثيين للمملكة بأنها هي التي حرضت الحكومة اليمنية علي القيام بعمل عسكري كبير ضد جزء من أبناء اليمن لاعتبارات لاعلاقة لها بالمصالح اليمنية ذاتها, وفي كلا البعدين استهدف الحوثيون اضفاء مكانة جهادية علي تصرفاتهم, وأنهم جزء من تحرك أكبر يواجه الولايات المتحدة والدول العربية الصديقة لها, لعل ذلك يجلب تأييدا من قبل الرأي العام العربي والاسلامي, ويبرر ولو بطريق غير مباشر الحصول علي دعم خارجي سياسي ومعنوي وإعلامي من قبل ايران والقوي المناصرة لها. كما استهدف أيضا التشويش علي طبيعة الحركة ذاتها لاسيما كونها حركة هدفها الاول انهاء النظام الجمهوري اليمني وفرض سلطة دينية مذهبية علي كل أبناء محافظة صعدة, مستخدمة في ذلك الترويع والقوة والاجبار بأشكاله المختلفة ودفع المواطنين لعدم الاعتراف بسلطة الدولة أو قانونها.
بيد أن هذا الاداء الاعلامي للحوثيين لم يحقق ماهو مستهدف, لاسيما ان يقف الناس مع حركة تمرد مسلحة تحصل علي دعم خارجي لغرض انهاء سلطة الدولة ويمدونها بالدعم البشري والسياسي. وهكذا اجتمع فشلان معا, الاول ميداني والثاني دعائي وسياسي ومن هنا كان المخرج هو اعادة تشكيل خريطة المواجهة عبر توريط أطراف خارجية في صلبها. وهنا فان مسألة التوريط أو التورط لها شكلان إما تورط بقرار ذاتي للتأثير علي حصيلة المواجهة ومسيرتها والمشاركة فيها عن وعي وقصد, وإما تدخل اضطراري ولهدف محدد. وإذا نظرنا لما قامت به القوات السعودية بعد11/4 الجاري يمكن الاستنتاج أننا أمام نموذج للتدخل الاضطراري ولهدف محدد زمنيا ومكانيا يمكن تحديده في وقف عمليات التسلل وحماية سيادة البلاد. وهما هدفان وان كانا لايؤثران بشكل مباشر علي المواجهة بين القوات اليمنية وبين عناصر التمرد الحوثي, إلا أن لهما انعكاسات استراتيجية وميدانية كبري.
من بين هذه الانعكاسات الميدانية أن تنحصر المواجهة في الاراضي اليمنية وحسب, ولما كان توازن القوي بين القوات اليمنية وبين عناصر التمرد الحوثي هو لصالح الطرف الاول, فان احتمال الحسم العسكري يبدو أكبر كثيرا وفي مدي زمني مناسب, خاصة في ضوء المؤشرات التي ترجح وجود أكثر من انشقاق بين قيادات التمرد الحوثي وبعضها موجه لعبد الملك الذي يعتبر نفسه خليفة أبيه وأخيه حسين في قيادة الحركة رغم صغر سنه وقلة خبرته, فضلا عن توقف الدعم الذي كانت تحصل عليه الحركة من بعض القبائل اليمنية التي دخلت في مناكفات مع الدولة لاسباب لاعلاقة لها بأهداف التمرد الحوثي نفسه.
لكن الواقع يتطلب التذكير بأن الحسم الميداني لن يكون خاتمة المطاف, إذ سيظل هناك احتمال كبير بأن تحدث عمليات عنف ضد المدنيين وسلطات الدولة من بقايا التمرد الحوثي الذين سيمكنهم الفرار والاختباء في الاماكن الجبلية التي يصعب الوصول إليها. وهذه صورة مصغرة من حرب عصابات قد تأخذ بعض الوقت ولكنها لن تؤثر علي صيغة النظام الجمهوري القائم, ولن تجعل الحوثيين في الموقف الذي سعوا اليه, أي التفاوض مع الدولة من موقع قوة والحصول منها علي تنارلات كبيرة واعتراف بأنهم قوة سياسية ومذهبية ذات طابع خاص بعيدة عن القانون والدستور.
في حالة حرب العصابات هذه وقد بدأت تظهر بعض مؤشراتها بالفعل, يبدو ان التعاون بين عناصر التمرد الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن وأرض الحرمين الشريفين, الذي أعلن عن نفسه مطلع هذا العام, سيكون شيئا طبيعيا فكلاهما عناصر للتمرد المسلح, وكلاهما يهدف إلي القضاء علي النظام اليمني, وكلاهما يعمل علي بث روح الفرقة والتمرد في المجتمع اليمني, وكلاهما أيضا يستخدم أساليب العنف المادي, وكلاهما مكتوب عليه الفشل حتي ولو حقق بعض النجاحات في عمليات صغيرة كاغتيال مسئول كبير أو قصف موقع مدني أو عسكري, فكل هذه العمليات لايمكنها ان تقدم بديلا أو تنهي نظاما ومؤسسات ولكنها للأسف الشديد تثير الفوضي وتنشر المظالم وتبرر أحيانا العنف المؤسسي المضاد, وفي تصوري أن هذا ما يجب ان يعمل علي مواجهته كل عقلاء اليمن, ومن كل الاتجاهات فاذا كان الحوار مطلوبا لحل أزمة النظام السياسي والتوصل إلي صيغة مقبولة ديمقراطيا بين كل مكونات المجتمع اليمني التي تقبل الدستور, فان المواجهة ايضا وبكل قوة مطلوبة مع هؤلاء الذين يرفعون السلاح ولايعترفون بالدستور والقانون والمؤسسات الشرعية.
جريدة الأهرام11/11/2009