إبراهيم سداح
02-02-2012, 04:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الأخوة الكرام في هذا المقال سأذكر إن شاء الله تعالى ـ ما يتعلق بخصائص الليبرالية وسأبني هذا المقال على ثلاثة أصول أسأل الله أن يوفقني للتمسك بها :
الأصل الأول:هو العلم:فإن الذي يتكلم عن أفكار الناس وإيدلوجياتهم لا بد أن يكون على علم بكلامهم من حيث ثبوته عنهم وعلى علم بصحته أو خطأه وذلك من خلال الزاوية التي يتناولها بالنقد .
الأصل الثاني:العدل:قال الله تعالى ((اعدلوا هو أقرب للتقوى )) فيجب على المسلم العدل مع الموافق والمخالف وكل ما يخرج عن العدل والقسط فهو تطفيف وظلم والظالم توعده الله بالعقاب كما قال تعالى ((وما للظالمين من أنصار ))((والله لايهدي القوم الظالمين)) ولذا فسيكون التحاور ومناقشة أفكارهم من خلال كتاباتهم
الأصل الثالث: الرفق فما نزع من شيء إلا شانه .لأن الغرض هو الدعوة ولا تكون إلا بالإقناع والأسلوب الحسن.وكذلك نشر ثقافة أدب الكلام مع الموافق والمخالف .((وجادلهم بالتي هي أحسن)) وأسأل الله أن تعم فائدته جميع البقاع.
وسأقف مع خصائص فكرهم وفق تسلسل على حلقات وهذه بدايتها وما توفيقي إلا بالله تعالى.
قال أحد الكتاب الليبراليين من أهم خصائص الليبرالية ما يلي:
1- تتحرك الليبرالية من خلال احترام ثوابت المجتمع الدينية والأخلاقية والثقافية ، وعبر احترام الإرث التاريخي ، مع دعم حركة التجديد والوعي لمصادر النهضة والحركة كالدين والتراث والنظم القانونية والفلسفية حتى يمكن الاستفادة منها في التنمية المستديمة .
الرد:هذا كلام عظيم وطرح جميل لا خلاف فيه إن شاء الله تعالى وكم يسرني أن يلتزم الناس بذلك فهل بالفعل أن الليبرالية حافظت على هذا الميبدأ العظيم سنرى إن شاء الله تعالى.
ثم قال الكاتب الليبرالي:
2- لا تعترف الليبرالية بمرجعية مقدسة ، بحيث تتخذ لنفسها رمز تاريخي أو تقدس احد كتبها أو كتابها ، فهي على هذا لا تمتلك مرجعية فلسفية أو ثقافية ، لأنها حركة وعي أنساني، خلاصة لحركة التاريخ البشري، تجسيدا لآمال الأمم والشعوب في الوحدة والمحبة .
الرد:هذا الكلام يخالف المبدأ الأول الذي ذكره الكاتب وهو احترام ثوابت المجتمع الدينية.ففي هذه النقطة نختلف في الأصول التالية:
الأول:أن دين الإسلام يخالف الليبرالية في ذلك حيث يؤمن ويعترف بمرجعيات مقدسة وهم الأنبياء عليهم السلام ثم من سار على نهجهم من العلماء .
الثاني:أن الأمة الإسلامية تقدس القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وهي كتبها المقدسة بخلاف الليبرالية التي لا تعترف بتقديس ذلك.
الثالث: أن الأمة الإسلامية لها جذور تاريخية أصيلة فهي تمتلك مرجعيات ثقافية تنطلق منها وتبني عليها.
الرابع:أن الوعي الإنساني الذي نفهمه يقوم على الوعي بمعرفة سبب وجودنا في الدنيا والنظر إلى مصيرنا في الآخرة فنعمل لذلك كله.كما جاء في الأثر((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)) فهذا هو الوعي الحقيقي.
الخامس:أن وحدة الشعوب إنما يقوم على العدل وهو في استطاعة الإنسان فيكون العدل مع كل مواطن سواء كان مسلماً أو غير مسلم فللمعاهد حقوقه والمستأمن ونحوهم.
وقد جسدت وثيقة المدينة التي وضعها سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذه الحقوق التي تكفل حق المواطنة بدون ظلم ولا تعدي.فالوحدة حاصلة تحت مظلة الإسلام .فحاجة المسلمين الماسة هي لتطبيق الإسلام ومبادئه لا لثقافة أخرى تخالفه.
ثم قال الكاتب الليبرالي ـ هدانا الله وإياه لما يرضي الله ـ في ذكر خصائص الليبرالية:
3- تتخذ الليبرالية من القيم الانساينة محور نشاطها وحركتها الذائبة كالكرامة والحرية ، وتتحرك من خلالها في كافة المجتمعات، مما أذى إلى تنوع تاريخها وتعدد تجاربها، فكل حركة ليبرالية مختلفة عن الأخرى وفقا لطبيعة المجتمع الذي تعمل في إرجائه .
الرد:تحقيق القيم الإنسانية مطلب نبيل وأصل أصيل ويبقى بيان مفهوم الكرامة ومفهوم الحرية فإن هذا المصطلح لابد له من تفسير فالمسلم ينطلق في أفكاره من كونه مخلوق مملوك له خالق أوجده في الكون وأمره بكل خير ونهاه عن كل شر ويعتقد أن الكرامة هي في حفظ الحقوق ،وليست هي الحقوق الفردية فقط بل كل الحقوق .وهي الحق الذي لله تعالى .والحق الذي عليه للمخلوقين .وحقوقه الشخصية.كما أن الحرية ليست حرية مطلقة بل يجب أن لاتتجاوز القيم النبيلة التي ينطلق بها وهي ما تسمى بالكليات الخمس وهي:حفظ الدين ،وحفظ النفس ،وحفظ العقل ،وحفظ المال ،وحفظ العرض.فوفق هذه القواعد الكلية تنطلق المسيرة الإسلامية.
بعد أن ذكر الكاتب خصائص الليبرالية عقد عنواناً آخر يوضح فيه أهداف الليبرالية .
فقال : إن من أهم أهداف الليبرالية ما يلي :
1- تحويل الدين إلى منظومة قوانين صالحة للتطبيق:
أن الليبرالية تستطيع ضم الدين الذي يعتبر احد أهم مكونات الأمة وأعمدتها الدستورية والقانونية والثقافية والروحية، ليتحول من نص نظري متعدد الأوجه ، استبدادي التطبيق، إلى نص تشريعي حر، قابل للإلغاء والتصحيح إلى احد الأوجه المتعددة فهما واستيعابا وتطبيقا، لأنه في إطار النظام الليبرالي يعتبر نص متحرك متفق عليه من قبل أغلبية الأمة عبر ممثليها الشرعيين ، أن الدين في النظام الليبرالي احد أهم مرتكزات الدستور من خلال نصوصه اليقينية ، واحد مصادر التشريع الرئيسية في نصوصه المتعارضة ، ليتحرر الدين من سيطرة رجال الدين والأباطرة ، الذين سخروه خدمة لمصالحهم في السلطة والمال والنفوذ عبر مئات السنين .
الرد:لا يا أخي الكريم ،فإن الدين أصل وغيره تابع هذا الذي يؤمن به المسلمون .ومعلوم أن الدين الإسلامي ليس فكرة تغير أو تبدل حسب رغبات الناس ،بل هو تشريع صالح لكل زمان ومكان ،أنزله الله تعالى على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لينفذه ويحتكم إليه ويعلّمه الناس ليعملوا به وقد رضي الله للنّاس هذا التشريع الذي أنزله ومنع من التحاكم لغيره.
والمسائل في الدين على قسمين :القسم الأول:قطعي لا يقبل التعدد في الفهم وذلك لأنه قطعي في ثبوته ودلالته أو قطعي في دلالته فقط .ومعنى قطعي الدلالة هو أن اللغة العربية لا تحمل إلا هذا المعنى وانعقد إجماع علماء الأمة عليه .فهذا لا يمكن أن يستبدل قطعاً.
القسم الثاني :محتمل الدلالة أو الثبوت :وهذا ما يسمى بمسائل الاختلاف الاجتهادي فهذا القسم قد فرغ منه العلماء رحمهم الله تعالى وثبت بالنقل عنهم أوجه الاحتمال في الأحكام بحيث لا يمكن أن نأتي في اللغة بلفظ يحتمل أي معنى غير ما ذكروه إلا أن نأتي بلغة أخرى غير لغة القرآن والسنة وهي العربية ،وأنى لنا ذلك ،ولذا فقد دونت المذاهب الأربعة لحفظ هذه الأقوال ليعمل بها ولا يخرج عنها حتى لا يكون الدين لعبة بيد الناس سواء كانوا من الساسة أو العلماء أو المفكرين . ومشكلتنا اليوم أن بعض الناس يأتي بأقوال شاذة مخالفة لإجماع المذاهب المحفوظة فلاتخدمها دلالات اللغة ولا الأصول الشرعية ولا مدخل لها أصلاً في المسائل العرفية ثم يطالب المجتمع بالانصياع لها .!
قال الكاتب الليبرالي:
2- المساواة الإنسانية : أن الليبرالية تنزع من رجال الدين مركزيتهم ونزعتهم الرهبانية في جميع مستوياتها، وتساوي بين الحاكم والمحكوم ليكون الأخير يؤدي وظيفة خدمية تنفيذية لتسقط منه هالة الإمبراطورية ونزعته الاستعلائية ، وليتحول رجال الدين إلى مجرد شريحة من الشرائح، وفئة من ضمن فئات متداخلة، مهمتها بناء الأمة على مبادئ الحرية والكرامة والمساواة .
الرد:رجال الدين هم العلماء وهم على قسمين:القسم الأول:عالم يعمل بعلمه ولا يكتم الحق ولايداهن وهؤلاء قد رفع الله مكانتهم كما قال الله تعالى ((يرفع الله الذين آمنوا ومنكم والذين أوتو العلم درجات )) فهؤلاء ليس المجتمع الذي أعطى لهم الرفعة والمكانة بل الله تعالى هو الذي رفعهم والمجتمع المسلم يجلهم ويوقرهم من هذا المبدأ كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)) قال الإمام الهيتمي في مجمع الزوائد رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن.انتهى
وهؤلاء على فضلهم ومكانتهم إلا أنه لا طاعة لهم في معصية الله تعالى كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))
والقسم الثاني:من سخّروا الدين لخدمة دنياهم وحرفوا أحكامه ،فهؤلاء لا قيمة لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة كما قال تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } (البقرة:159)بل هم من أول من تسعر بهم النار كما في الحديث الشريف.
فلا معنى لقول الكاتب الليبرالي أننا نزع منهم رهبانيتهم لأنه لا رهبانية في الإسلام أصلاً واما الاحترام والأدب وإنزال الناس منازلهم الآئقة بهم فهو من العدل والإنصاف .فلهم من المجتمع التقدير والتوقير ولا نعتقد عصمتهم بل كل ابن آدام خطاء كما في الحديث الشريف ولا نتابعهم على الخطأ ولا نقلل من منزلتهم إلا إذا كانوا مداهنين أو محرفين للأحكام الشرعية فلا كرامة لهم .
قال الكاتب الليبرالي:
3ـ سيادة ثقافة النسبية الموضوعية: تقف الليبرالية ضد النزعة الدوغمائية التي تفترض الحقيقة المطلقة والصواب المطلق ، إنها تعتقد بأن كل المعارف أو معظمها نسبي ...انتهى
الرد: هذا الكلام باطل بلا ريب فليست كل الحقائق نسبية بل هناك حقائق مطلقة وحقائق نسبية .
وهناك أحكام صائبة مطلقاً وهناك أحكام نسبية .
فالحكم بعدم وجود الحقائق المطلقة باطل بلا ريب.
فإن الحكم بأن هذا الكون الفسيح المتناسق في تنظيمه لابد أن يكون متسبب في وجوده وتنسيقه على هذا الوجه البديع هذه حقيقة مطلقة لا ينكرها من له مسكة عقل .
ووجود مدينة تسمى مكة المكرمة حقيقة مطلقة تواترت بها الأخبار وشاهدها الناس بالأبصار ،وكذلك وجود مدينة تسمى بغداد حقيقة مطلقة لا ينكرها عاقل. وهكذا قل في وجود كثير من الأماكن والأعيان .
كذلك الإيمان بوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولأخبار المتواترة في ذلك حقيقة مطلقة متواترة الثبوت فلا يمكن أن ينكر ذلك أي عاقل من العقلاء سواء كان مؤمن برسالته أو كافر بذلك .فإن كلا الفريقين يؤمن بوجوده سواء آمن برسالته أو عاند وكذب وكفر .
كذلك حدوث الآثار أي النتائج دالة على وجود مسببات لها .وتلك حقيقة مطلقة لاينكرها عاقل .
فسماع الأصوات يدل على وجود الصوت ووجود حاسة تسمى السمع أحست بهذا الصوت ووجود مخلوق يتصف بهذه الحاسة وهذه حقائق مطلقة قطعية أيضاً لا يكذبها عاقل.
والخلاصة
أن كل ما أثبته البرهان الخبري المتواتر فهو حقيقة قطعية مطلقة .
وكل ما أثبته البرهان العقلي القاطع فهو حقيقة مطلقة كالاستدل بوجود الآثار على وجود مسبب لها.
وكل ما أثبته البرهان التجريبي القاطع وليس النظري فهو حقيقة مطلقة .ويسمى قاعدة مطردة .
فإذا كان هؤلاء الليبرالية ينكرون الحقائق المطلقة التي لا ينكرها عاقل فكيف يريدون أن يقودوا العالم و يحكموا الناس ؟!!وليس في إنكار الحقائق المطلقة إلا محض الجنون .
ولا نتيجة له إلا إنكار وجود الله جل جلاله وإنكار الرسالات ،فضلاً عن إنكار معجزات الأنبياء عليهم السلام ،وإنكار كرامات الأولياء وغيرها من الحقائق .
وبهذا الكلام أختم هذا الحوار والذي تلخص منه الحقائق التالية :
1ـ أن الفكر الليبرالي مناقض للدين الإسلامي الذي أنزله الله جل جلاله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
2ـ أن الجمع بين الفكر الليبرالي والحكم الإسلامي لا يمكن أن يكون أبداً لأنه جمع بين متناقضين وهو من المستحيل بلا ريب.
3ـ أن الفكر الليبرالي فكر سفسطائي لأنه ينكر الحقائق المطلقة التي لا ينكرها أي عاقل كما اتضح من كلامهم الدال على قلة العلم وضعف التفكير .
4ـ أن الحكم الإسلامي يصلح لكل زمان ومكان لأنه حكم الله تعالى الذي أنزله لعباده وليس هو حصيلة أفكار الناس ولا أهواءهم المتباينة .
5ـ أن الإنسان لابد أن تفرض عليه أحكام وأنظمة سواء كان من إنسان مخلوق مثله أو كانت من خالقه جل جلاله فكيف يقبل بحكم إنسان مثله أو أدنى منه ،ولا يقبل بحكم الله تعالى الذي خلقه وأوجده ؟!
6ـ أن الأنبياء بلغوا حكم الله تعالى لتحكم به في الأنفس والأموال والأعراض وفي جميع العبادات والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .فكيف نستبدل بحكم الله تعالى أحكاماً تخضع لأهواء الناس الذين كتبوها ونظموها لمصالحهم وأهواءهم.وكيف يصبح النظام الوضعي حاكما على البشر الذي نظموه ،فيكون محكوم منهم وحاكماً لهم ؟! فشتان بينه وبين حكم الله تعالى.الذي له التصرف المطلق والحكم الذي لايعدل عن الحق.
7ـ أن أساس هذه الحقائق هو الإقرار بأن الله هو الخالق المالك الحاكم لكل شيء ،وأن الإنسان هو عبد مخلوق تحت تصرف الله تعالى ليس له أختيار في دخوله الدنيا ولا في مدة بقاءه فيها فكيف يريد أن يحكم فيها بغير حكم مالكها جل جلاله وتقدست أسماءه وصفاته. فمن آمن بذلك فلن يقبل بأفكار الليبرالية ولا العلمانية ولا غيرها من الأفكار المناقضة لدين الإسلام .نسأل الله أن يهدينا وإياهم إلى الطريق المستقيم .
وفي الختام أحمد الله تعالى حمداً كثيراً طيباً كما ينبغي له، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
المصدر الكاتب : ماطر بن عبدالله آل غنيم بتــاريخ : 3/1/2010 م
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الأخوة الكرام في هذا المقال سأذكر إن شاء الله تعالى ـ ما يتعلق بخصائص الليبرالية وسأبني هذا المقال على ثلاثة أصول أسأل الله أن يوفقني للتمسك بها :
الأصل الأول:هو العلم:فإن الذي يتكلم عن أفكار الناس وإيدلوجياتهم لا بد أن يكون على علم بكلامهم من حيث ثبوته عنهم وعلى علم بصحته أو خطأه وذلك من خلال الزاوية التي يتناولها بالنقد .
الأصل الثاني:العدل:قال الله تعالى ((اعدلوا هو أقرب للتقوى )) فيجب على المسلم العدل مع الموافق والمخالف وكل ما يخرج عن العدل والقسط فهو تطفيف وظلم والظالم توعده الله بالعقاب كما قال تعالى ((وما للظالمين من أنصار ))((والله لايهدي القوم الظالمين)) ولذا فسيكون التحاور ومناقشة أفكارهم من خلال كتاباتهم
الأصل الثالث: الرفق فما نزع من شيء إلا شانه .لأن الغرض هو الدعوة ولا تكون إلا بالإقناع والأسلوب الحسن.وكذلك نشر ثقافة أدب الكلام مع الموافق والمخالف .((وجادلهم بالتي هي أحسن)) وأسأل الله أن تعم فائدته جميع البقاع.
وسأقف مع خصائص فكرهم وفق تسلسل على حلقات وهذه بدايتها وما توفيقي إلا بالله تعالى.
قال أحد الكتاب الليبراليين من أهم خصائص الليبرالية ما يلي:
1- تتحرك الليبرالية من خلال احترام ثوابت المجتمع الدينية والأخلاقية والثقافية ، وعبر احترام الإرث التاريخي ، مع دعم حركة التجديد والوعي لمصادر النهضة والحركة كالدين والتراث والنظم القانونية والفلسفية حتى يمكن الاستفادة منها في التنمية المستديمة .
الرد:هذا كلام عظيم وطرح جميل لا خلاف فيه إن شاء الله تعالى وكم يسرني أن يلتزم الناس بذلك فهل بالفعل أن الليبرالية حافظت على هذا الميبدأ العظيم سنرى إن شاء الله تعالى.
ثم قال الكاتب الليبرالي:
2- لا تعترف الليبرالية بمرجعية مقدسة ، بحيث تتخذ لنفسها رمز تاريخي أو تقدس احد كتبها أو كتابها ، فهي على هذا لا تمتلك مرجعية فلسفية أو ثقافية ، لأنها حركة وعي أنساني، خلاصة لحركة التاريخ البشري، تجسيدا لآمال الأمم والشعوب في الوحدة والمحبة .
الرد:هذا الكلام يخالف المبدأ الأول الذي ذكره الكاتب وهو احترام ثوابت المجتمع الدينية.ففي هذه النقطة نختلف في الأصول التالية:
الأول:أن دين الإسلام يخالف الليبرالية في ذلك حيث يؤمن ويعترف بمرجعيات مقدسة وهم الأنبياء عليهم السلام ثم من سار على نهجهم من العلماء .
الثاني:أن الأمة الإسلامية تقدس القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وهي كتبها المقدسة بخلاف الليبرالية التي لا تعترف بتقديس ذلك.
الثالث: أن الأمة الإسلامية لها جذور تاريخية أصيلة فهي تمتلك مرجعيات ثقافية تنطلق منها وتبني عليها.
الرابع:أن الوعي الإنساني الذي نفهمه يقوم على الوعي بمعرفة سبب وجودنا في الدنيا والنظر إلى مصيرنا في الآخرة فنعمل لذلك كله.كما جاء في الأثر((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)) فهذا هو الوعي الحقيقي.
الخامس:أن وحدة الشعوب إنما يقوم على العدل وهو في استطاعة الإنسان فيكون العدل مع كل مواطن سواء كان مسلماً أو غير مسلم فللمعاهد حقوقه والمستأمن ونحوهم.
وقد جسدت وثيقة المدينة التي وضعها سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذه الحقوق التي تكفل حق المواطنة بدون ظلم ولا تعدي.فالوحدة حاصلة تحت مظلة الإسلام .فحاجة المسلمين الماسة هي لتطبيق الإسلام ومبادئه لا لثقافة أخرى تخالفه.
ثم قال الكاتب الليبرالي ـ هدانا الله وإياه لما يرضي الله ـ في ذكر خصائص الليبرالية:
3- تتخذ الليبرالية من القيم الانساينة محور نشاطها وحركتها الذائبة كالكرامة والحرية ، وتتحرك من خلالها في كافة المجتمعات، مما أذى إلى تنوع تاريخها وتعدد تجاربها، فكل حركة ليبرالية مختلفة عن الأخرى وفقا لطبيعة المجتمع الذي تعمل في إرجائه .
الرد:تحقيق القيم الإنسانية مطلب نبيل وأصل أصيل ويبقى بيان مفهوم الكرامة ومفهوم الحرية فإن هذا المصطلح لابد له من تفسير فالمسلم ينطلق في أفكاره من كونه مخلوق مملوك له خالق أوجده في الكون وأمره بكل خير ونهاه عن كل شر ويعتقد أن الكرامة هي في حفظ الحقوق ،وليست هي الحقوق الفردية فقط بل كل الحقوق .وهي الحق الذي لله تعالى .والحق الذي عليه للمخلوقين .وحقوقه الشخصية.كما أن الحرية ليست حرية مطلقة بل يجب أن لاتتجاوز القيم النبيلة التي ينطلق بها وهي ما تسمى بالكليات الخمس وهي:حفظ الدين ،وحفظ النفس ،وحفظ العقل ،وحفظ المال ،وحفظ العرض.فوفق هذه القواعد الكلية تنطلق المسيرة الإسلامية.
بعد أن ذكر الكاتب خصائص الليبرالية عقد عنواناً آخر يوضح فيه أهداف الليبرالية .
فقال : إن من أهم أهداف الليبرالية ما يلي :
1- تحويل الدين إلى منظومة قوانين صالحة للتطبيق:
أن الليبرالية تستطيع ضم الدين الذي يعتبر احد أهم مكونات الأمة وأعمدتها الدستورية والقانونية والثقافية والروحية، ليتحول من نص نظري متعدد الأوجه ، استبدادي التطبيق، إلى نص تشريعي حر، قابل للإلغاء والتصحيح إلى احد الأوجه المتعددة فهما واستيعابا وتطبيقا، لأنه في إطار النظام الليبرالي يعتبر نص متحرك متفق عليه من قبل أغلبية الأمة عبر ممثليها الشرعيين ، أن الدين في النظام الليبرالي احد أهم مرتكزات الدستور من خلال نصوصه اليقينية ، واحد مصادر التشريع الرئيسية في نصوصه المتعارضة ، ليتحرر الدين من سيطرة رجال الدين والأباطرة ، الذين سخروه خدمة لمصالحهم في السلطة والمال والنفوذ عبر مئات السنين .
الرد:لا يا أخي الكريم ،فإن الدين أصل وغيره تابع هذا الذي يؤمن به المسلمون .ومعلوم أن الدين الإسلامي ليس فكرة تغير أو تبدل حسب رغبات الناس ،بل هو تشريع صالح لكل زمان ومكان ،أنزله الله تعالى على سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم لينفذه ويحتكم إليه ويعلّمه الناس ليعملوا به وقد رضي الله للنّاس هذا التشريع الذي أنزله ومنع من التحاكم لغيره.
والمسائل في الدين على قسمين :القسم الأول:قطعي لا يقبل التعدد في الفهم وذلك لأنه قطعي في ثبوته ودلالته أو قطعي في دلالته فقط .ومعنى قطعي الدلالة هو أن اللغة العربية لا تحمل إلا هذا المعنى وانعقد إجماع علماء الأمة عليه .فهذا لا يمكن أن يستبدل قطعاً.
القسم الثاني :محتمل الدلالة أو الثبوت :وهذا ما يسمى بمسائل الاختلاف الاجتهادي فهذا القسم قد فرغ منه العلماء رحمهم الله تعالى وثبت بالنقل عنهم أوجه الاحتمال في الأحكام بحيث لا يمكن أن نأتي في اللغة بلفظ يحتمل أي معنى غير ما ذكروه إلا أن نأتي بلغة أخرى غير لغة القرآن والسنة وهي العربية ،وأنى لنا ذلك ،ولذا فقد دونت المذاهب الأربعة لحفظ هذه الأقوال ليعمل بها ولا يخرج عنها حتى لا يكون الدين لعبة بيد الناس سواء كانوا من الساسة أو العلماء أو المفكرين . ومشكلتنا اليوم أن بعض الناس يأتي بأقوال شاذة مخالفة لإجماع المذاهب المحفوظة فلاتخدمها دلالات اللغة ولا الأصول الشرعية ولا مدخل لها أصلاً في المسائل العرفية ثم يطالب المجتمع بالانصياع لها .!
قال الكاتب الليبرالي:
2- المساواة الإنسانية : أن الليبرالية تنزع من رجال الدين مركزيتهم ونزعتهم الرهبانية في جميع مستوياتها، وتساوي بين الحاكم والمحكوم ليكون الأخير يؤدي وظيفة خدمية تنفيذية لتسقط منه هالة الإمبراطورية ونزعته الاستعلائية ، وليتحول رجال الدين إلى مجرد شريحة من الشرائح، وفئة من ضمن فئات متداخلة، مهمتها بناء الأمة على مبادئ الحرية والكرامة والمساواة .
الرد:رجال الدين هم العلماء وهم على قسمين:القسم الأول:عالم يعمل بعلمه ولا يكتم الحق ولايداهن وهؤلاء قد رفع الله مكانتهم كما قال الله تعالى ((يرفع الله الذين آمنوا ومنكم والذين أوتو العلم درجات )) فهؤلاء ليس المجتمع الذي أعطى لهم الرفعة والمكانة بل الله تعالى هو الذي رفعهم والمجتمع المسلم يجلهم ويوقرهم من هذا المبدأ كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ليس من أمتي من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه)) قال الإمام الهيتمي في مجمع الزوائد رواه أحمد والطبراني وإسناده حسن.انتهى
وهؤلاء على فضلهم ومكانتهم إلا أنه لا طاعة لهم في معصية الله تعالى كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))
والقسم الثاني:من سخّروا الدين لخدمة دنياهم وحرفوا أحكامه ،فهؤلاء لا قيمة لهم لا في الدنيا ولا في الآخرة كما قال تعالى {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون } (البقرة:159)بل هم من أول من تسعر بهم النار كما في الحديث الشريف.
فلا معنى لقول الكاتب الليبرالي أننا نزع منهم رهبانيتهم لأنه لا رهبانية في الإسلام أصلاً واما الاحترام والأدب وإنزال الناس منازلهم الآئقة بهم فهو من العدل والإنصاف .فلهم من المجتمع التقدير والتوقير ولا نعتقد عصمتهم بل كل ابن آدام خطاء كما في الحديث الشريف ولا نتابعهم على الخطأ ولا نقلل من منزلتهم إلا إذا كانوا مداهنين أو محرفين للأحكام الشرعية فلا كرامة لهم .
قال الكاتب الليبرالي:
3ـ سيادة ثقافة النسبية الموضوعية: تقف الليبرالية ضد النزعة الدوغمائية التي تفترض الحقيقة المطلقة والصواب المطلق ، إنها تعتقد بأن كل المعارف أو معظمها نسبي ...انتهى
الرد: هذا الكلام باطل بلا ريب فليست كل الحقائق نسبية بل هناك حقائق مطلقة وحقائق نسبية .
وهناك أحكام صائبة مطلقاً وهناك أحكام نسبية .
فالحكم بعدم وجود الحقائق المطلقة باطل بلا ريب.
فإن الحكم بأن هذا الكون الفسيح المتناسق في تنظيمه لابد أن يكون متسبب في وجوده وتنسيقه على هذا الوجه البديع هذه حقيقة مطلقة لا ينكرها من له مسكة عقل .
ووجود مدينة تسمى مكة المكرمة حقيقة مطلقة تواترت بها الأخبار وشاهدها الناس بالأبصار ،وكذلك وجود مدينة تسمى بغداد حقيقة مطلقة لا ينكرها عاقل. وهكذا قل في وجود كثير من الأماكن والأعيان .
كذلك الإيمان بوجود سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولأخبار المتواترة في ذلك حقيقة مطلقة متواترة الثبوت فلا يمكن أن ينكر ذلك أي عاقل من العقلاء سواء كان مؤمن برسالته أو كافر بذلك .فإن كلا الفريقين يؤمن بوجوده سواء آمن برسالته أو عاند وكذب وكفر .
كذلك حدوث الآثار أي النتائج دالة على وجود مسببات لها .وتلك حقيقة مطلقة لاينكرها عاقل .
فسماع الأصوات يدل على وجود الصوت ووجود حاسة تسمى السمع أحست بهذا الصوت ووجود مخلوق يتصف بهذه الحاسة وهذه حقائق مطلقة قطعية أيضاً لا يكذبها عاقل.
والخلاصة
أن كل ما أثبته البرهان الخبري المتواتر فهو حقيقة قطعية مطلقة .
وكل ما أثبته البرهان العقلي القاطع فهو حقيقة مطلقة كالاستدل بوجود الآثار على وجود مسبب لها.
وكل ما أثبته البرهان التجريبي القاطع وليس النظري فهو حقيقة مطلقة .ويسمى قاعدة مطردة .
فإذا كان هؤلاء الليبرالية ينكرون الحقائق المطلقة التي لا ينكرها عاقل فكيف يريدون أن يقودوا العالم و يحكموا الناس ؟!!وليس في إنكار الحقائق المطلقة إلا محض الجنون .
ولا نتيجة له إلا إنكار وجود الله جل جلاله وإنكار الرسالات ،فضلاً عن إنكار معجزات الأنبياء عليهم السلام ،وإنكار كرامات الأولياء وغيرها من الحقائق .
وبهذا الكلام أختم هذا الحوار والذي تلخص منه الحقائق التالية :
1ـ أن الفكر الليبرالي مناقض للدين الإسلامي الذي أنزله الله جل جلاله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
2ـ أن الجمع بين الفكر الليبرالي والحكم الإسلامي لا يمكن أن يكون أبداً لأنه جمع بين متناقضين وهو من المستحيل بلا ريب.
3ـ أن الفكر الليبرالي فكر سفسطائي لأنه ينكر الحقائق المطلقة التي لا ينكرها أي عاقل كما اتضح من كلامهم الدال على قلة العلم وضعف التفكير .
4ـ أن الحكم الإسلامي يصلح لكل زمان ومكان لأنه حكم الله تعالى الذي أنزله لعباده وليس هو حصيلة أفكار الناس ولا أهواءهم المتباينة .
5ـ أن الإنسان لابد أن تفرض عليه أحكام وأنظمة سواء كان من إنسان مخلوق مثله أو كانت من خالقه جل جلاله فكيف يقبل بحكم إنسان مثله أو أدنى منه ،ولا يقبل بحكم الله تعالى الذي خلقه وأوجده ؟!
6ـ أن الأنبياء بلغوا حكم الله تعالى لتحكم به في الأنفس والأموال والأعراض وفي جميع العبادات والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .فكيف نستبدل بحكم الله تعالى أحكاماً تخضع لأهواء الناس الذين كتبوها ونظموها لمصالحهم وأهواءهم.وكيف يصبح النظام الوضعي حاكما على البشر الذي نظموه ،فيكون محكوم منهم وحاكماً لهم ؟! فشتان بينه وبين حكم الله تعالى.الذي له التصرف المطلق والحكم الذي لايعدل عن الحق.
7ـ أن أساس هذه الحقائق هو الإقرار بأن الله هو الخالق المالك الحاكم لكل شيء ،وأن الإنسان هو عبد مخلوق تحت تصرف الله تعالى ليس له أختيار في دخوله الدنيا ولا في مدة بقاءه فيها فكيف يريد أن يحكم فيها بغير حكم مالكها جل جلاله وتقدست أسماءه وصفاته. فمن آمن بذلك فلن يقبل بأفكار الليبرالية ولا العلمانية ولا غيرها من الأفكار المناقضة لدين الإسلام .نسأل الله أن يهدينا وإياهم إلى الطريق المستقيم .
وفي الختام أحمد الله تعالى حمداً كثيراً طيباً كما ينبغي له، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
المصدر الكاتب : ماطر بن عبدالله آل غنيم بتــاريخ : 3/1/2010 م