علي الرباعي
٢٠١٢/٥/١٦
الفرد والجماعة
[img]http://cdn1.alshrq.com/wp-*******/themes/alsharq-theme/images/print.png[/img] ٨ تعليقات
ترتكز حياة المجتمعات على مقومات ومعطيات تُسهم في تجاوز الصعاب ومقاومة وقهر التحديات والقبول بالأدوار الصعبة، ولعلّي عشتُ وعايشتُ في يوميات القرية مفهوم التطابق بين ما يؤمن به الناس وما يُطبقونه، فالمنظومة القروية
منظومة عمل وإنتاج، ولا أُبالغ إن قلتُ أن لأهل القرى لغة ثالثة
غير لغة الديني والسياسي، هي لغة التخاطب
النفعي بين الجميع واحترام البناء الاجتماعي لكل فرد وعائلة في سبيل تحقيق مردود اقتصادي يؤمّن للبعض الحد الأدنى من معيشة كريمة، وأزعم أن مجتمع القرى سبق إلى المدنيّة بحكم أنه لم يكن يضع في
معايير التقييم للناس جودة تدينهم ولا نقاء أصلهم وسلالتهم ولا نوع جنسهم ، قدر ما يراعي ما يُتقنون من مهارة وما يُجيدون من حرفة وما يخدمون به مصلحة الكل (زراعة وحصاداً وبناء وتجارة ورعياً)، ولم تكن
المرأة مُغيّبة ولا مستبعدة من المشهد بل هي فاعل رئيس، إذ أن النظرة المجتمعية للسيدات والآنسات في ظل ثقافة الإنتاج لم تكن نظرة غريزية بحتة أو صرفة، مع العلم أن الغريزة مكون من مكونات الجسد الطبيعي إلا أن حضور الروح وبروز العطاء وأصالة العلاقة الإنسانية وضعتْ حدوداً بين ما يمكن وما يستحيل، وأسستْ لثقافة العيب ببعدها الحضاري المتمثل في احترام المرأة كإنسان، ومن اليوميات التي لا تُنسى في مواسم الحصاد مناداة الجارُ جاره من نافذة البيت أو من فوق سقف منزله: ( يا فلان نبغى أم العيال تسرح معنا بكرة عندنا صرام) ولو تأخرتْ الجارة في الاستيقاظ غدا فلن يستنكف صاحب العمل من أن يذهب ليوقظها من فراش نومها ويعاتبها بألفاظ مُحببة على مرأى ومسمع الزوج والأولاد، منها باللفظ الشعبي الدارج في منطقتنا (صاح الله عليك وعلى المخور هذا اللي راقد جنبك، ضيعتم ليلكم وبتضيعون نهارنا!) فيرد الزوج: (خُذها الله لا يلقيك خير لا أنت ولا هي) ويفتتح الجميع نهارهم بهذه اللقطات الضاحكة لتنفتح لهم آفاق من
الأمل والتفاؤل ، وما زلتُ أسأل أمي حفظها الله: هل كانت المرأة في مأمن من العبث والتحرش في ذلك الوقت؟، فترد:
لا يا حبيبي لكن كان الرجالُ محترمين وكلٌ همّهُ لقمة العيش، وتضيف: ما أخرب أخلاق الناس إلا الشبع!، وأعود لأقول يمكن لكل من انتظم في تلك الحقبة أن يُفاخر بذلك الحس الحُر المُتخلّص من حتميات الأنساب والأجناس
والتدين والمنضوي تحت لواء العمل والإنتاج والمتساوق مع فطرة الأشياء، ومن رحمة الله ونظام الكون أن التشريعات الإلهية والأخلاقية والقانونية جاءت متوافقة مع طبيعة الحياة والبشر وحاجات الإنسان ولم تتصادم معها وإلا كانت عنتاً ومشقة وحرجاً وأغلالاً، ولذا كانت أنجح الحكومات عبر التاريخ تلك التي حافظت على بشرية الإنسان، وإنسانية البشر وحققت التوافق بين المجموع دون أن تهضم حق الفرد.
[img]http://cdn1.alshrq.com/wp-*******/uploads/2011/12/182_avatar-55x55.jpg[/img]
علي الرباعي
مواليد الباحة 1965م، حاصل على دكتوراه في الفقه والقانون من جامعة الزيتونة بتونس، صدر له مجموعتان شعريتان ومجموعة…
المزيدمواليد الباحة 1965م، حاصل على دكتوراه في الفقه والقانون من جامعة الزيتونة بتونس، صدر له مجموعتان شعريتان ومجموعة قصصية وثلاثة كتب في قضايا عامة، مدير مكتب صحيفة الشرق في منطقة الباحة
[img]http://cdn1.alshrq.com/wp-*******/themes/alsharq-theme/images/email_icon.gif[/img]
راسل الكاتب
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٦٤) صفحة (١٨) بتاريخ (١٦-٠٥-٢٠١٢