ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فوائد من قصة موسى عليه السلام في سورة القصص
1 - أن آيات اللّه تعــالــى وعبره ، وأيامه فــي الأمــم
السابقة ، إنمــا يستفيد بها ويستنير المؤمنون ، فعلى
حسب إيمان العبد تكون عبرته ، وإن اللّه تعـالى إنما
يسوق القصص، لأجلهم ، وأما غيرهم ، فلا يعبأ اللّه
بهم ، وليس لهم منها نور وهدى .
2- أن اللّه تعـالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه ، وأتى بها
شيئا فشيئا بالتدريج ، لا دفعة واحدة .
3 - أن الأمـــة المستضعفة ، ولــو بلغت فــي الضعف
ما بلغت ، لا ينبغي لها أن يستولي عليها الكسل عــن
طلب حقها، ولا الإياس من ارتقائها إلى أعلى الأمور
خصوصا إذا كانوا مظلومين ، كـمــــا استنقذ اللّه أمة
بني إسرائيل ، الأمة الضعيفة ، مــن أســـر فرعون
وملئه ، ومكنهم في الأرض ، وملكهم بلادهم .
4- أن الأمــة ما دامت ذليلة مقهورة لا تــأخـــذ حقهــا
ولا تتكلم بـه ، لا يقــوم لهــا أمـــر دينها ولا دنياها
ولا يكون لها إمامة فيه .
5 - لطف اللّه بأم موسى ، وتهوينه عليهـــا المصيبة
بالبشارة ، بأن اللّه سيرد إليها ابنها ، ويجعله مــن
المرسلين .
6 - أن اللّه يقدر عـلى عبـــده بعــض المشاق ، لينيله
سرورا أعظم من ذلك ، أو يدفع عنه شرا أكثر منـــه ،
كمــا قدر عـلى أم موسى ذلك الحزن الشديد ، والهــم
البليغ ، الـــذي هــو وسيلة إلى أن يصل إليها ابنها ،
على وجه تطمئن به نفسها، وتقر به عينها ، وتزداد
به غبطة وسرورا .
7 - أن الخوف الطبيعي من الخلق ، لا ينافي الإيمــان
ولا يزيله ، كـمـا جرى لأم موسى ولموسى مـن تلك
المخاوف .
8 - أن الإيمان يزيد وينقص . وأن مــن أعظم ما يزيد
به الإيمان ، ويتم به اليقين ، الصبر عند المزعجات ،
والتثبيت من اللّه عند المقلقات كما قال تعــالى ( لَوْلَا
أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي: ليزداد
إيمانها بذلك ويطمئن قلبها .
9- أن مــن أعظم نعم اللّه على عبده ، و أعظم معونة
للعبد على أموره، تثبيت اللّه إياه ، وربط جأشه وقلبه
عنــد المخاوف وعند الأمور المذهلة فإنه بذلك يتمكن
مــن القــول الصواب ، والفعل الصواب ، بخلاف من
استمر قلقه وروعه وانزعاجه ، فإنـه يضيع فكره ،
ويذهل عقله ، فلا ينتفع بنفسه في تلك الحال .
10- أن العــبــد - ولو عرف أن القضاء والقدر ووعد
اللّه نافذ لا بد منه - فـإنــه لا يهمل فعل الأسباب التي
أمر بها ،ولا يكون ذلك منافيا لإيمانه بخبر اللّه ، فإن
اللّه قد وعد أم موسى أن يرده عليهـــا ، ومــع ذلك ،
اجتهدت على رده ، وأرسلت أخته لتقصه وتطلبه .
11 - جــواز خروج المــرأة فــي حوائجها ، وتكليمها
للرجال ، مـن غيــر محذور ، كما جرى لأخت موسى
وابنتي صاحب مدين .
12- جواز أخذ الأجرة على الكفالة والرضاع، والدلالة
على من يفعل ذلك .
13 - أن اللّه مــن رحمته بعبده الضعيف الــــذي يريد
إكرامه، أن يريه من آياته ويشهده من بيناته ،ما يزيد
به إيمانه ، كمـــا رد الله موسى على أمه ، لتعلم أن
وعد اللّه حق .
14 - أن قتل الكافر الـــذي لــه عهــد بعقد أو عرف ،
لا يجوز ، فـــإن موسى عليه السلام عدَّ قتله القبطي
الكافر ذنبا ، واستغفر اللّه منه .
15- أن الذي يقتل النفوس بغير حق يعد من الجبارين
الذين يفسدون في الأرض .
16- أن مــن قتــل النفوس بغير حق ، وزعم أنه يريد
الإصلاح فـــي الأرض ، وتهييب أهل المعاصي ، فإنه
كاذب في ذلك ، وهـو مفسد كما حكى اللّه قول القبطي
( إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِـي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن
تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) على وجه التقرر له لا الإنكار.
17 - أن إخبار الرجل غيره بما قيل فيه ، عـــلى وجه
التحذير لــه مــن شــر يقـع فيـه ، لا يكون ذلك نميمة
- بل قد يكون واجبا - كما أخبر ذلك الرجل لموسى ،
ناصحا له ومحذرا .
18 - أنــه إذا خاف القتل والتلف في الإقامة ، فـــإنــه
لا يلقي بيده إلى التهلكة ولا يستسلم لذلك ، بل يذهب
عنه ، كما فعل موسى .
19 - أنه عند تزاحم المفسدتين ، إذا كــان لا بد مـــن
ارتكاب إحداهما أنه ترتكب الأخف منهمــــا والأسلم ،
كما أن موسى لما دار الأمر بين بقائه في مصر ولكنه
يقتل أو يذهب إلى بعض البلدان البعيدة التي لا يعرف
الطريق إليها ،وليس معه دليل يدله غير ربه ، ولكن
هذه الحالة أقرب للسلامة من الأولى، فتبعها موسى.
20 - أن الناظر في العلم عند الحاجة إلى التكلم فيه ،
إذا لـم يترجح عنده أحد القولين ، فإنه يستهدي ربه ،
ويسأله أن يهديه الصواب من القولين ، بعد أن يقصد
بقلبه الحق ويبحث عنه ، فإن اللّه لا يخيب مَــنْ هـذه
حاله. كما خرج موسى تلقاء مدين فقال ( عَسَى رَبِّي
أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ ) .
21 - أن الرحمة بالخلق والإحسان على مـــن يعـرف
ومن لا يعرف من أخلاق الأنبياء ، وأن من الإحسان
سقي الماشية الماء وإعانة العاجز .
22- استحباب الدعاء بتبيين الحال وشرحها ولو كان
اللّه عالما لها ، لأنه تعالى يحب تضرع عبده وإظهار
ذله ومسكنته ، كمـا قال موسى ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ
إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) .
23 - أن الحياء - خصوصا من الكرام - مــن الأخلاق
الممدوحة .
24-المكافأة على الإحسان لم يزل دأب الأمم السابقين
25 - أن العبد إذا فعل العمل للّه تعالى ثـم حصــل لــه
مكافأة عليه من غير قصد بالقصد الأول ، أنــه لا يلام
على ذلك ، كمــا قبل موسى مجازاة صاحب مدين عن
معروفه الذي لم يبتغ لـه ، ولم يستشرف بقلبه عــلى
عوض .
26- مشروعية الإجارة وأنها تجوز على رعاية الغنم
ونحوها ، مما لا يقدر العمل ، وإنما مرده العرف .
27-أنه تجوز الإجارة بالمنفعة ولو كانت المنفعة بضعا
28- أن خطبة الرجل لابنته الرجل الذي يتخيره لا يلام
عليه .
29 - أن خير أجير وعامل يعمل للإنسان ، أن يكــون
قويا أمينا .
30 - أن من مكارم الأخلاق، أن يُحَسِّن خلقه لأجيره
وخادمه، ولا يشق عليه بالعمل لقــوله ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ
أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) .
31 - جواز عقد الإجارة وغيرها مـن العقود مـن دون
إشهاد لقوله ( وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ) .
32- ما أجرى اللّه على يد موسى من الآيات البينات،
والمعجزات الظاهرة ، من الحية ، وانقلاب يده بيضاء
من غير سوء ، ومن عصمة اللّه لموسى وهارون ،
من فرعون ، ومن الغرق .
33 - أن مــن أعظم العقوبات أن يكـون الإنسان إماما
في الشر، وذلك بحسب معارضته لآيات اللّه وبيناته ،
كما أن من أعظم نعمة أنعم اللّه بها على عبده ، أن
يجعله إماما في الخير هاديا مهديا .
34 - مـا فيها من الدلالة على رسالة محمد صلى اللّه
عليه وسلم ،حيث أخبر بذلك تفصيلا مطابقا، وتأصيلا
موافقا، قصه قصا، صدق به المرسلين، وأيد به الحق
المبين ، مــن غــيــــر حضور شيء من تلك الوقائع ،
ولا مشاهدة لموضع واحد من تلك المواضع، ولا تلاوة
درس فيها شيئا من هذه الأمور، ولا مجالسة أحد من
أهل العلم ، إن هو إلا رسالة الرحمن الرحيم، ووحي
أنزله عليه الكريم المنان ، لينذر به قوما جاهلين ،
وعن النذر والرسل غافلين ...
الكتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص 618)
للشيـــخ : عبد الرحمن السعـدي رحمه الله تعالى
في يوم العاشر من محرم من كل عام، يتذكر المسلمون،
حكايةً من حكايات الإيمان، وقصّةً من قصص القرآن، تثّبت الجنان،
وتزيده يقيناً واطمئناناً، بحتمية انتصار أهل الحق والإيمان،
على قوى الكفر والطغيان، إنّها قصّة موسى عليه السلام مع فرعون، التي أسهب القرآن الكريم في عرضها،
وأكثر من ذكرها في مواضع عديدة من كتاب الله، وذلك لأهميتها وحاجة المؤمنين إليها في كل عصر وجيل،
خصوصاً في هذا الزمان العصيب .