الدولة العثمانية دولة إسلامية ، تنسب إلى قبيلة قابي إحدى القبائل التركية ، ومنشؤها بلاد تركستان .
كان سليمان أحد أبناء القبيلة يهيم بقبيلته في آسيا الصغرى بعد موقعة ملاذكرد ، وقُتل سليمان عند مشارف حلب ، وترددت القبيلة بين العودة لموطنها الأصلي ومواصلة المغامرة ، وانقسمت القبيلة في ذلك ، فاختار ابنه أرطغرل مواصلة السير ، فدخل آسيا الصغرى والتحق بخدمة الأمير السلجوقي علاء الدين الثاني الذي كان يواصل الحرب ضد البيزنطيين ، وساعده في هذا الكفاح ، فأعطاه السلطان السلجوقي المستنقعات الواقعة على الحدود البيزنطية ، وترك له توسيع ممتلكاته على حساب البيزنطيين ، فاتخذ شكور عاصمة له ، وأصبح ابنه عثمان ملازماً له في حروبه وأعماله الإدارية . وفي هذه الأثناء كانت الحروب الصليبية مشتعلة فشغلت جانباً كبيراً من نشاط البيزنطيين مما أتاح فرصة الاستقرار للعثمانيين .
نشأة الدولة العثمانية :
عندما توفي أرطغرل تولى عثمان الأول مكانه بموافقة علاء الدين السلجوقي وسار على هدي أبيه في مساعدة السلجوقيين وتأييدهم في حروبهم ، فزاد علاء الدين في إكرامه ومنحه نوعاً من الاستقلال ، وأقطعه كافة الأراضي والقلاع التي فتحها وأجاز له ضرب العملة باسمه ، وذكر اسمه في خطبة الجمعة ، ومنحه لقب بك . وهكذا اقترب عثمان من الاستقلال التام ، وصار زعيم إمارة من أهم الإمارات ، واستمر في التوسع حتى استولى من دولة الروم الشرقية على مدينة قرة حصار ، التي جعلها عاصمة له .
وانتهز عثمان فرصة انشغال المغول بحروبهم مع سلاجقة قونية ، فسار في فتوحاته ووسع مملكته . وبعد وفاة عثمان الأول جاء ابنه أورخان واستولى على عدة مدن ، وتم تكوين أول فرق من طوائف الانكشارية ( العسكر الجديد ) .
الدولة العثمانية والفتوحات الأوروبية :
خلف أورخان الذي توفي عام 761هـ ، 1359م ابنه مراد الأول الذي تخطى المضيف واتجه إلى أوروبا ، وهاجم شبه جزيرة البلقان ، بعد أن أقرّ النظام وتغلب على بعض العصاة في آسيا الصغرى . وكانت البلقان وقتها خاضعة لعدد من صغار الحكام . فتساقطوا واحداً بعد الآخر في قبضة العثمانيين . وفي سنة 792هـ ، 1389م ، وقعت معركة عنيفة في قوصوة بين العثمانيين بقادة مراد الأول وأحلاف النصارى الأوروبيين التي تكونت من القوات الصربية وقوات من البشناق والمجر والبلقان والألبانيين ، وانتصر مراد الأول ، غير أن صربياً طعنه غدراً وتولى بايزيد الأول مكان أبيه . وفي عام 793هـ ، 1390م فقد البيزنطيون آخر ممتلكاتهم في آسيا الصغرى وهي مدينة آلاشهر .
ونتيجة للفتوحات العثمانية ، انتشر الخوف والفزع بين الأوروبيين ، وقامت مظاهرات دينية للحث على حربهم ، وخرج جيش أوروبي بقيادة سجسمند ملك المجر ، ضمّ إليه كتائب من فرنسا وألمانيا ، وانتصر الأوروبيون في بادئ الأمر واستردوا الكثير من المدن ، ولكن بايزيد الأول أسرع بتجميع شتات جنوده وهزمهم سنة 799هـ ، 1396م .
الخطر المغولي والدولة العثمانية :
اشتد الخطر المغولي تحت قيادة عسكري شهير هو تيمور لنك ، الذي خطط وخطا خطوات واسعة نحو استعادة مُلك جنكيزخان وهولاكو ، الذي امتد من موسكو إلى الصين فسوريا .
قامت المعركة الأولى بين العثمانيين والمغول سنة 803هـ ، 1400م عند سيواس وانتصر فيها المغول وقُتل القائد أرطغرل أكبر أبناء بايزيد الأول . وفي عام 805هـ ، 1402م بدأت المعارك الحقيقية عند جيوت أباد ، فانتصر فيها المغول أيضاً واتجهوا نحو أنقرة ، وهُزم بايزيد ووقع في الأسر ومات عام 806هـ ، 1403م .
تولى سليمان بن بايزيد الأول مكان أبيه ، ووافق تيمورلنك على أن يحكم السلطان سليمان تابعاً للسلطان المغولي . وكانت الفترة قصيرة ، حيث مات تيمورلنك سنة 808هـ ، 1405م ، وتقسم أبناؤه مملكته ، فأخذ سلطان العثمانيين يعود مرة أخرى وبدأوا يتخلصون من سلطة المغول .
أشهر السلاطين العثمانيين : عثمان بن أرطغرل ، أورخان بن عثمان ، مراد الأول ، بايزيد الأول ، محمد الثاني ( الفاتح ) ، بايزيد الثاني ، سليم الأول ، سليمان بن سليم ( القانوني ) .
عصر القوة للدولة العثمانية :
تعاقب السلاطين العثمانيون حتى تولى مراد الثاني ، الذي وضع قواعد الأمن والإصلاح ، ثم اتجه لمواصلة الفتوحات حتى مات سنة 855هـ ، 145م وتولى مكانه ابنه محمد الفاتح أو محمد الثاني ، وأخذ يخضع الثوّار في آسيا الصغرى . وهاجم العثمانيون القسطنطينية سنة 857هـ ، 1453م حتى تمّ لهم النصر .
وبفتح القسطنطينية انمحت البقية الباقية من بيزنطة ، وأصبحت القسطنطينية تُسمى إسطنبول أو دار السعادة ، وصارت عاصمة للإمبراطورية العثمانية حتى نقل أتاتورك العاصمة إلى أنقرة سنة 1342هـ ، 1923م .
وبفتح القسطنطينية أصبحت الدولة العثمانية من الدول الإسلامية العظيمة .
استمر العثمانيون يسيرون بنجاح في فتوحاتهم في أوروبا ، ففتحوا بلاد الصرب وشبه جزيرة المورة وبلاد ألبانيا إلى حدود البندقية ، وحاول محمد الفاتح أن يفتح إيطاليا ، ولكنه انصرف عن ذلك لمشاغله الكثيرة وقتها .
ضم البلاد العربية والإسلامية :
كانت الدولة المملوكية بمصر وسوريا قد أصيبت بإنهيار إقتصادي في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي , عندما اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح , فارتبطت تجارة أوروبا بالهند دون المرور بالموانئ المصرية والعربية . في ضوء هذه الأحداث قامت معركة بين المماليك والعثمانيين في مرج دابق والريدانية سنة 922 هـ , 1516م .
وبلغت الدولة العثمانية أقصى قوتها في عهد سليمان القانوني أو العظيم كما يسميه الأوروبيون . وامتدت الفتوحات العثمانية إلى دول الشمال الإفريقي التي كانت تعاني من الاضطراب بسبب محاولة أسبانيا الاستيلاء عليها ، عقب هزيمة المسلمين بأسبانيا وانسحابهم منها .
استولى العثمانيون على الجزائر بقيادة خير الدين بربروسة عام 924هـ ، 1518م ، ثم على تونس ثم طرابلس ، ثم واصلت القوات العثمانية زحفها حتى استولت على صنعاء سنة 954هـ ، 1547م ، ثم مسقط 958هـ ، 1551م وواصلت زحفها حتى رأس الخليج العربي ، وبذلك بلغت الدولة العثمانية أقصى مداها .
الدولة العثمانية ورسالة الإسلام :
كان امتداد الإسلام بأوروبا واسعاً في عهد العثمانيين وقد وصلوا إلى فيينا عاصمة النمسا . حرص العثمانيون على نشر الإسلام بالبقاع التي دخلوها بأوروبا ، وكانت حملاتهم العسكرية يصحبها الوعّاظ والمعلمون الذين يقومون بنشر الإسلام في الأماكن التي وصلت لها الدولة . كما أن السلاطين والأمراء والأثرياء اهتموا اهتماماً كبيراُ بإقامة المساجد والمعاهد ؛ لتعليم الإسلام والدعوة له ، مما جعل عدداً كبيراً من الأوروبيين يعرفون الإسلام ويرتبطون به .
وفشلت محاولات الحركة الصهيونية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ( 1876 – 1909م ) لإقامة وطن يهودي بفلسطين ، كما أصدر فرماناً بمنع هجرة اليهود إلى سيناء ، في الوقت الذي اتجه فيه اليهود إلى سيناء لتكون مهجراً لهم .
أسباب سقوط الخلافة الإسلامية :
ظهر ضعف الدولة العثمانية فيك ل مرافقها ، حتى سُميّت رجل أوروبا المريض . وكان من أهم العوامل التي أدت إلى هذا الضعف :
1- ضعف نظام الحكم العثماني ، نتيجة لوجود سلاطين ضعفاء انغمسوا في اللهو وتركوا أمر الحكم لغيرهم ، فتسلّط الأمراء والقوّاد والحريم .
2- ضعف الإدارة في الأقاليم التابعة للدولة العثمانية ، فكان منصب الوالي يُمنح لمَن يدفع مالاً أكثر . وجعل هذا الوالي يجمع الأموال من الناس بشتى الأساليب ليفي بالمطلوب منه ، فتعطلت كافة المشروعات الإصلاحية في الولايات لقلة المال .
3- عدم التجانس بين شعوب الولايات العثمانية الممتدة في ثلاث قارات . فأدّى هذا إلى جنوحها إلى الثورة والعصيان .
4- فساد نظام الانكشارية حيث انصرف هؤلاء إلى حياة الخمول والكسل ، بعد أن كانوا مضرب الأمثال في الشجاعة وسرعة الحركة .
5- الامتيازات الأجنبية ، حيث بدأ السفراء الأجانب في طلب امتيازات تجارية لرعاياهم ، وتطور هذا إلى طلب امتيازات أخرى ، منها ما هو ديني ، وبهذا تمكّن السفراء من التدخل في شؤون الدولة .
أثر ضعف الدولة العثمانية على العالم العربي :
نتيجة لضعف الدولة العثمانية لم تستطع البلاد العربية في شمال إفريقيا مقاومة جيوش الدول الاستعمارية الأوروبية فوقعت فريسةً لها . وكانت جمعية الاتحاد والترقي المتعصبة للقومية التركية وراء سياسة التتريك للبلدان العربية التي كان من نتائجها ازدياد مشاعر الثورة ضد العثمانيين في المشرق العربي ، بل إن نهاية الخلافة العثمانية ذاتها حدثت على يد زعيم تلك الجمعية ( مصطفى كمال ) الذي أصبح اسمه ( كمال أتاتورك )*.
ففي عام 1341هـ أُلغيت السلطنة ، ثم أُلغيت الخلافة الإسلامية عام 1343هـ - 1924م ، وبذلك انتهت الدولة العثمانية .
* كمال أتاتورك :
زعيم تركي كان ضابطاً في الجيش العثماني . وكان على صلة وثيقة بالغرب ، ومنذ أن آلت إليه السلطة أبعد تركيا عن الإسلام تماماً ، فألغى الخلافة الإسلامية بها نهائياً ، وقطع كل صلة لها بالإسلام والدول الإسلامية . ودفع تركيا إلى العلمانية ، وظل يشغل منصب رئيس الجمهورية حتى وفاته عام 1357هـ .