طريقيه بناء البيوت في عسير قديماً
أساليب البناء العسيري القديم
تميز البناء العسيري القديم بصفات اختص بها، وكان لأبناء عسير أساليبهم المميزة في تشييد بيوتهم ومساجدهم وحصونهم وقلاعهم ومخازن غلالهم.
كانت المواد المستخدمة عادة في البناء هي: الطين والحجر والخشب. وإذا استعمل الطين في عملية البناء فإنه ينقل التراب إلى الموقع المحدد، ويقوم المالك بالإشراف على خلطه بالماء والتبن والأعشاب، ثم يترك الخليط كي تدوسه الأقدام وحوافر الحيوانات أسبوعاً أو أكثر وذلك لعجنه وتقليبه وإكسابه التماسك اللازم، ثم يقطع باليد إلى قطع صغيرة تشكل مداميك البناء. كما يستخدم الطين أيضاً في تغطية الجدران من الداخل ، وأرضيات الغرف والممرات والأدراج.
وكذلك في تغطية أغصان الشجر وجذوعه المستعملة في بناء السقف. أما الحجر فيتم تقطيعه في المقالع، أو جمعه من السهول والأدوية، ثم ينقل إلى مواقع البناء على ظهور الحيوانات بإشراف المسؤول عن عملية البناء، أو مساعديه، وقد تستخدم قطع من الحجر الصغير لسد الفراغات بين الأحجار إن لم يستخدم الطين، وذلك بعد أن تستقر الأحجار الكبيرة في مكانها.
ويستعمل الحجر في بناء الجدران الرئيسية للمبنى والفواصل بين الغرف سواء كانت في الطابق الأرضي، أو في الطوابق العلوية، كما تستعمل الأحجار المسطحة في تغطية بعض الأسقف والأرضيات، أو في أبنية متجاورة أو متلاصقة.
وفي كثير من القرى المنتشرة على قمم الجبال، أو السفوح تكون المساكن متقاربة، يربط بينها طريق ضيق، وللطريق أبواب قديمة تؤدي إلى خارج القرية، حيث كانت تفتح في الصباح وتغلق في المساء حتى يأمن السكان على أنفسهم. ويلاحظ أن أكثر المساكن في عسير تضيق كلما ارتفعت الجدران بحيث يصير شكل البناء كالهرم الناقص. وقد بنيت هذه المباني بالطين أو الحجر أو كليهما، ولهذا الشكل ميزة بالإضافة إلى جماله، وهي أنه يجعل للمبنى قاعدة عريضة تثبته. ولا شك أن القدماء أدركوا مزايا هذا الأسلوب في البناء فبنوا على نمطه في أنحاء كثيرة من شبه الجزيرة العربية، وتقام جدران المباني الطينية في المنحدرات الشرقية والسراة بمداميك أفقية، أسسها وأعاليها مبنية بالطين فقط، مما يجعلها أكثر تأثراً بالعوامل الطبيعية، وأكثر احتياجا إلى العناية المستمرة، ومن الملاحظ أن كثيرا من مباني الطين لها أسس استخدمت فيها الحجارة إلى ارتفاع متر أو مترين لدعم قاعدتها.
وإلى جانب هذه النماذج من العمارة توجد المساكن التي استخدم فيها الطين والحجر، وتتميز بقطع حجرية رقيقة تسمى الواحدة منها النطف أو الرقف، حيث ترصف جنبا إلى جنب فوق كل مدماك طيني أثناء إقامته، وتكون ناتئة عنه، لكي تحميه من الأمطار الغزيرة وحبات البَرَد الكبيرة.
ويشمل هذا الطراز المعماري أبنية مختلفة الأشكال منها المربع والمستطيل والدائري، وكلها استخدمت للسكن أو للدفاع أو لخزن الحبوب.
أما الخشب فيحمله الرجال من الوديان وسفوح الجبال إلى الموقع .
فينزع عنه لحاؤه، ثم يستعمل في بناء الجدران والسقوف ودعائمها، كما يصلح لصنع الأبواب والمعدات الزراعية. ويتم قطع الأشجار في فصل الشتاء عادة كي تحتفظ الأخشاب بجودتها وصلابتها، وهذه طريقة معروفة للمحافظة على جودة الأخشاب لا تزال متبعة في عسير. وتحدد العادات والتقاليد الاجتماعية شكل المباني وكذلك الظروف المناخية وتوافر مواد البناء.
وإذا كان السكن مكونا من عدة طوابق فإن الطابق الأرضي يشمل المدخل الذي يقع عادة في واجهة البناء، ثم الدرج ومكانه إما قرب المدخل أو في الفسحة التي يؤدي إليها المدخل، كما يضم الطابق الأرضي الإسطبل، أو زريبة الحيوانات، وموضعا قريبا منها لتخزين العلف، وحفظ المعدات الزراعية.
أما الطابق الأول ففيه: مخازن الحبوب والأطعمة،كما أن فيه نوافذ تطل على الخارج
ويضم الطابق الثاني، وبقية الطوابق: المطبخ، وخزان الماء، ومكان الغسل، وغرفة واحدة أو غرفتين تخص إحداهما كبير العائلة، إلى جانب فسحة مكشوفة تتم فيها الأعمال المنزلية، ويحيط بها جدار عال لستر ما في البيت وقد تسكن الأسرة في مبنى واحد بعيد عن غيره من المباني.
وتقام الأبنية بالحجر حيث يوجد الحجر، ولمعظم هذه المباني شكل هرمي ناقص أيضاً، وقد يكون في المبنى الواحد ثلاثة أو أربعة طوابق.
أما المساكن في تهامة الساحلية فتبنى بجذوع وأغصان الشجر، وتغطى بأوراق النباتات المختلفة، ويكسى داخلها بالطين والجص وتزدان جدرانها برسوم الحيوانات، والنباتات، كما تزين أحياناً بصحون مختلفة الألوان، وهذا النوع من المساكن يلائم الجو الحار الرطب في هذه المنطقة.
ولمعانها الذي يميزها عن البناء وبخاصة إذا كان لون البناء قاتماً، كما تستعمل أحجار المرو أحياناً في الكتابات الدينية على الجدران. ويستخدم الطين في طلاء الحيطان الحجرية من الخارج، ويلون لتزين واجهات المباني . أما تزيين المباني من الداخل فيتم بنفس حافات الأبواب والنوافذ والسقوف والأجزاء السفلية من الجدران بألوان مختلفة، وهذا عمل فني شعبي أنجزته المرأة العسيرية منذ القدم يسمى ( قط ).
أما عن طريقة بناء المساجد في عسير، فيقول صاحب كتاب "عسير تراث وحضارة" المصور الباحث وهبي الحريري الرفاعي:
"المسجد يتألف من مبنى مخصص للصلاة وفيه المحراب المستقبل لبيت الله في مكة المكرمة، كما يتألف من حرم ومنارة، وربما وجد في طرفه مدرسة لتعليم الصبيان. أما الحرم أو الصحن فهو فناء يقع بجوار المسجد تقام فيه الصلاة إذا ضاق المسجد بالمصلين ويكون مكان الوضوء في ركن من أركان هذا الفناء، على مقربة من بئر أو صهريج لجمع مياه الأمطار. والمنارة أو المئذنة هي بناء دائري أو مربع الشكل يكون أعلى من بقية أقسام المسجد وملتصقاً به، ومنه يرتفع صوت المؤذن داعياً إلى الصلاة في مواقيتها المعلومة. أما المدرسة فهي تشغل أحد أركان المسجد، أو تكون في أحد الأروقة المجاورة للحرم، أو في بناء منفصل.
ومن الملاحظ أن مساجد عسير قد بنيت بدون قباب، وزينت بما توافر من حجر وطين، وخشب، وجص. وهناك عدة نماذج للنقوش على أبواب المساجد ونوافذها وسقوفها، ومن بينها نقوش مسجد قرية السقا الواقعة قرب مدينة أبها. كما أن هناك نماذج لزخرفة الجص على جدران مسجد بلدة الحرجة وغيرها.
أما عن حصون وقصبات عسير القديمة فيضيف الأستاذ وهبي الحريري الرفاعي:
"يوجد في عسير الكثير من المباني القديمة العالية تسمى الواحدة منها حصناً أو قصبة، وهي مبنية بالطين، أو الحجارة أو كليهما، وقد صممت مداخلها تصميماً محكما يجعل من الصعب اقتحامها، وكان الهدف من الحصن أو القصبة: السكن أو المراقبة والدفاع.
ومن الحصون والقصبان ما كان يصلح لحفظ الحبوب وعلف الحيوانات. وللحصن قاعدة مربعة أو مستطيلة، وهو أكبر مساحة وحجما من القصبة، ويقيم أصحابه فيه، أما القصبة فغالبا ما تبني على المرتفعات وتكون لها قاعدة دائرية، والقصبة لا تتسع إلا لعدد قليل من الرجال يرابطون فيها فترة قصيرة للمراقبة والدفاع. وكان أهل عسير، مثل سكان ما بين النهرين، يعمدون أحياناً إلى إشعال النار وإطلاق الدخان إيذاناً بالخطر.
ويحرص أهالي عسير من أصحاب الحصون والقصبات عليها حرصاً كبيراً لتكون قوية منيعة وجميلة، ويزينون أبوابها ومنافذها وأجزاء من واجهتها بأحجار المرو، كما يسمونها بأسماء جميلة مثل (حصن بهجة) ومازال أصحابها يقيمون فيها أو قربها، ويستخدمونها في أغراض أخرى كحفظ مؤنهم ومتاعهم...
وللحصون والقصبات نوافذ صغيرة للإضاءة والتهوية، حيث تملأ بالأعشاب الشائكة حتى لا تمر منها الطيور أو الحيوانات الصغيرة. وتحفظ الحبوب المخزونة في الحصن والقصبة عدة سنوات، إما بنشرها داخل غرف الخزن، أو بوضعها في أكياس تصنع من القش.
وقد يملك الحصن أو القصبة شخص أو أسرة، وقد يكون ملكاً لأهل القرية، وفي هذه الحالة تستعمل كل جماعة طابقا من البناء. ولا زالت حصون وقصبات عسير القديمة تثير الإعجاب والتقدير، وتعكس على مر الزمان تاريخ عسير ومآثر أهلها.
منقوووووووووووووووووول
المصادر والمراجع:
1- الرفاعي، وهبي الحريري: عسير تراث وحضارة، نادي أبها الأدبي 1993، ص 116-117.
2- نفس المرجع، ص 118.
3- نفسه، نفس الصفحة.
4- جريس، د. غيثان علي: صفحات من تاريخ عسير، ج1، ط1 الرياض 1993، ص 148.
5- النعمي، هاشم بن سعيد: تاريخ عسير في الماضي والحاضر، مؤسسة مرينا للنشر، الرياض 1999م، ص 110.
منقول للإستفاده من تراث الماضي في منطقة عسير