أم أن تلك الضغوطات باب مفتوح من التحدي الذي هو بمثابة وقود النجاح؟
يقول د. بيتر ج. هانسون: (التوتر لا يقتل السعادة في حياتك، فعلى العكس، التوتر يساعد في تحقيقها)، وإليك دليًلا على ذلك، فبعض الناس يمارس رياضات مثيرة للتوتر مثل الملاكمة والمصارعة، أو التزحلق على الجليد، فتظنها أنت مصدر إزعاج وتوتر، لكنها تمثل بالنسبة إليهم ذروة المتعة في الحياة!
كلاهما يضيرنا.
ونستطيع أن نخلص من ذلك إلى تلك النتيجة التي يصوغها لنا الدكتور بيتر ج. هانسون فيقول عن التوتر: (إن القليل جدًا والكثير جدًا منه، كلاهما يضيرنا)؛ فالتوتر الزائد عن الحد يضعف تركيز الفرد، وبالتالي يقلل من إنتاجيته، بينما القليل منه ضار أيضًا، فإن الشخص الذي اعتاد أن يعمل بجد طوال حياته، ثم يتقاعد بدون عمل، فإنه يشعر بفقد الثقة وعدم تقدير الذات، فيظهر آثار التوتر عليه في شكل نوبات سريعة من الغضب لأتفه الأسباب.
ولذا فعليك ـ عزيزي القارئ ـ بالتوتر الحميد، الذي يخبرنا عنه الدكتور عبد الكريم بكار فيقول: (التوتر إذا زاد على حد معين أربك المرء، وشل فاعليته، لكن إذا ظل في حدوده الطبيعية فإنه يعد منشطًا قويًّا للخيال، إذا وُظِّفَ في العثور على بعض الحلول، أو ارتياد بعض الآفاق الجديدة).
منبع الداء
أولًا وقبل كل شيء دعنا ـ عزيزي القارئ ـ نقر قاعدة هامة، تلك القاعدة التي يخبرنا بها الدكتور وارين و. داير بقوله: (ليس هناك توتر في العالم، لكن هناك أناس يفكرون في أشياء تدعو للقلق)، ولكن ما هي تلك الأشياء التي تدفعنا إلى التوتر؟ والإجابة على هذا السؤال هي أنه هناك عدة أسباب رئيسة وراء التوتر، من أهمها:
1. الشعور بالعجز عن أداء أمر ما:
كعجز المرء عن حل مشكلة ما، أو عدم القدرة على إتمام هدف أو إنجاز عمل، فكما يقول هيرودوت: (إن أكثر أنواع الألم مرارة عند المرء، هو أن يملك الكثير من المعرفة، ولكنه لا يملك القوة).
2. الإجهاد والعمل الإضافي:
ويحدث التوتر نتيجة الإجهاد عندما يود الفرد إنجاز أهداف كثيرة في وقت ضيق، أو حينما يفتقد القدرة على جدولة يومه بشكل فعال، حيث يسعى المرء إلى إنجاز المهام في وقت أسرع من اللازم؛ مما قد يعرضه إلى ضغوطات لا يتحملها في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى قد يؤدي العمل بشكل خاطئ؛ فيصاب بالإحباط، ويدفعه ذلك إلى التوتر.
3. القلق المستمر من المستقبل:
وذلك داء العصر الحديث، والذي انشغل فيه الإنسان بمستقبله، فما تعلم من ماضيه، ولا انتفع بحاضره؛ لأنه نسى بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) [رواه الترمذي، وحسنه الألباني].
4. أسلوب الحياة:
ونعني به ما يتعلق بحياة الفرد من العادات الغذائية، وعادات النوم، ومدى اهتمامه أو إهماله لصحته الجسدية والنفسية، وإذا نظرنا إلى الحياة الحديثة، فسترى كثيرًا من الناس يضع الاهتمام بصحته في ذيل قائمة الأولويات؛ مما يؤدي إلى زيادة التوتر.
إشارات التحذير.
وللتوتر علامات وأعراض كثيرة، وهي لك بمثابة إشارات تحذير من ذلك الخطر الداهم، ومن أهم تلك الإشارات ارتفاع صوت ضربات القلب، والإصابة المستمرة بالصداع وبآلام الرأس، والإحساس الدائم بالإحباط، والنسيان، والغضب لأقل الأسباب، والأرق المزمن، وحدوث مشاكل في الرقبة والظهر، وأما في الشهية للطعام فإما فقدانها بشكل ملحوظ أو الإفراط في الطعام الزائد عن الحد.
روشتة العلاج
واسمح لنا ـ عزيزي القارئ ـ أن نصف لك روشتة العلاج لهذا المرض، عسى الله أن يجعل فيها الشفاء من التوتر والضغوطات الزائدة، وهي كما يلي:
1. حياة القلوب:
فالله عز وجل هو القائل: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]؛ لأن في الذكرحياة القلب وتوفيق الله
2. تعلم من الطيور:
بأن تعيش حياتك كما يعيش الطير، تمامًا كما أوضح لنا النبي صلى الله عليهوآله وسلم في الحديث حين قال: ((لو أنكم كنتم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) .
3. كن مثل الأسكيمو:
سافر رجل إلى ألاسكا للتعرف على عادات سكان القطب الشمالي، وبينما كان هناك قابل واحدًا من شعب الأسكيمو، فسأله: (كم عمرك؟)، فقال له: (تقريبًا يوم واحد)، فلم يفهم جوابه إلا بعد أن تكلم مع صديق له، كان قد عاش في القطب الشمالي لمدة عشرين عامًا، وألف كتابًا عن عادات الأسكيمو، فقال له: (يعتقد الأسكيمو أنهم يموتون عندما ينامون بالليل، ويعودون للحياة عندما يستيقظون، لذا فليس هناك من الأسكيمو من يزيد عمره عن يوم واحد، فالحياة في الدائرة القطبية الشمالية قاسية جدًا، والبقاء حياً يعد إنجازاً مهماً، مع ذلك فإنك لن ترى أبداً إنساناً من الأسكيمو يبدو قلقاً أو متوتراً؛ لقد تعلّموا مواجهة كل يوم على حده، كل يوم بيومه).
4. تخلص من تلك الخرافة:
إنها خرافة عدم كفاية الوقت لإنجاز المهام، مما يخلق ضغوطات وتوترات كبيرة، وليكن شعارك ما قاله إليان ألكين: (ليس هناك شيء يسمى نقص الوقت، فنحن جميعًا نملك الوقت الكافي لنفعل كل ما نحتاج إلى فعله)، ولكن المشكلة في جدولة ذلك الوقت بما يتيح لك إنجاز كل ما تريد دون الإحساس بالضغوطات والتوترات، تمامًا كما يقول الدكتور إبراهيم الفقي: (إن نوعية حياتك تتحدد بدرجة حكمتك في استغلال الوقت).
5. توقع واستعد:
فإن أردت أن تقضي على الإحساس بالتوتر الزائد، فتوقع كل الاحتمالات حتى أسوأها، واستعد لمواجهته بقوة وحسن تخطيط؛ فإن ذلك الاستعداد سيجعلك أكثر قوة، وأعمق معرفة بالمشاكل التي ستحدث؛ مما يمكنك من التخلص منها وتجاوزها.
6. انظر إلى النجوم وتأمل:
بمعنى أن تتخذ مثلًا أعلى، وتخيل أنك ذلك الشخص، وسل نفسك لو كان هذا الشخص مكاني، كيف كان سيتصرف؟ وكيف كان سيتخلص من المشكلة؟
نصائح غالية
وإليك ـ عزيزي القارئ ـ جملة من النصائح الغالية من أجل التخلص من تلك التوترات والضغوطات الزائدة عن الحد، ومن أهم تلك النصائح ما يلي:
1. تنفس بطريقة 4-2-8 بمعنى أن تأخذ شهيقًا ببطء وعد حتى 4، ثم احتفظ بنفَسك وعد 2، ثم أخرج الزفير ببط من الفم وعد حتى 8، وقم بتكرير هذا التمرين 10 مرات.
2. ممارسة الرياضة، كأن تقوم بالمشي، أو القيام ببعض التمرينات الرياضية في المنزل، أو في صالة الألعاب الرياضية، وذلك لمدة نصف ساعة يوميًا.
3. مارس هواية تحبها، واجعل لها وقتًا كل يوم، حتى ولو لدقائق معدودات.
4. نَفِّسْ عن مشاكلك وهمومك، بأن تناقشها مع شخص تثق فيه وفي آرائه، أو بأن تكتب حول المشكلة التي تصيبك بالتوتر، وأن تدون بعض الأفكار حول كيفية التعامل مع تلك المشكلة.
5. اجعل البيئة المحيطة بك تدفع عنك التوتر، غيِّر من شكل غرفتك، أو لون دهان حوائطها، أو بدِّل من موضع الأثاث فيها.
6. احرص على تناول الغذاء الصحي المتوازن، وخذ قسطًا كافيًا من النوم، وقلل من المشروبات التي تحتوي على الكافيين، مثل القهوة والشاي؛ فهي تزيد من التوتر على عكس ما يعتقد الكثيرون.
وأخيرًا تذكر قول واين و. داير: (ليس في مقدور أحد أن يوجد الغضب أو التوتر بداخلك؛ فإنك وحدك المسئول عن ذلك من خلال الطريقة التي تسوس بها عالمك).
ألف شكر لك على هذا الطرح الأكثر من رائع
ومافيه من أجزاء رائعة وشرح مبسط نحتاجها فعلا
وأسمح لي بأضافة
أهمية حمّامات المياه حيث تعد سيمفونية رائعة لها أثرها العلاجي الفعال
وكذلك البحر
ولك تحياتي