شهدت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها عام 1319هـ، أحداثًا تاريخية هامة ومفصلية من تاريخها العظيم، من حروب وانتصارات متتابعة في جمع الشتات وتوحيد أجزاء الوطن، بقيادة موحد هذا الكيان الكبير الشامخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله)، ومع بداية عام 1343هـ، بدأ التنظيم الإداري يأخذ حيزًا مهمًا في حياة الملك عبدالعزيز، في العلوم الإدارية، والعسكرية، والأمنية، والتجارية، وفي كافة القطاعات الحكومية الأخرى. من هنا بدأت مرحلة من عدة مراحل من التطور في كافة مناحي الحياة العامة والخاصة، فقد أنشئت مرافق العلم والتعليم وأصول الشريعة، في المساجد ودور العبادة والكتاتيب، التي تدرس فيها جميع مناهج العلم والمعرفة، من ثقافة، وأدب، وتاريخ، وعلوم دينية، وعلم الحساب والهندسة، والجبر، والكسور الحسابية، وذلك في إنشاء وبناء الجامعات والمعاهد والكليات والمدارس للبنين والبنات لجميع مراحل التعليم، فأصبحت المملكة العربية السعودية تسير على خطى ثابتة من المعطيات والمنجزات الحضارية من مشاريع تطويرية وفنية في ذلك التاريخ.
فقد أصبحت الدولة محورًا أساسيًا في العالم العربي والإسلامي والدولي، وعندما تم إعلان توحيد المملكة بتاريخ 21/5/1351هـ، ومن هنا ظهرت مراحل النهضة الشاملة، من العلم والاختراعات الفنية من مواطير ومكائن وآلات كهربائية، وأجهزة حديثة تلامس كل بيت ومنزل وشارع، في تطور إبداعي للمجتمع السعودي، الذي أخذ بأسباب الرقي والتقدم من مراحل النهضة التنموية والعمرانية والسكانية التي شهدتها الدولة.
وحينما أتطرق إلى موضوع (السينما) أو (الشاشة المرئية) التي بدأ ظهورها مع بداية النهضة المباركة، في عهد الملك عبدالعزيز (رحمه الله) فقد انتشرت السينما في بعض المدن الرئيسية في ذلك التاريخ في كل من: المنطقة الشرقية، الرياض، الطائف، مكة المكرمة، جدة، المدينة المنورة.
ثم تباعًا في بعض المدن الأخرى في الشمال والجنوب، وفي عام 1430هـ، كتبت مقالاً في جريدة الجزيرة بعنوان (السينما في عهد الملك عبدالعزيز - بين الثقافة والتعليم) (1).
ومن هذا المنطلق التاريخي والشواهد الحقيقية التي سجلها التاريخ الحديث أذكرها هنا للتاريخ وللفن السينمائي في المملكة العربية السعودية الذي كان سائدًا منذ عهد الملك عبدالعزيز، في عرض المنجزات والاكتشافات البترولية بالمنطقة الشرقية حينما بدأ حفر أول بئر للبترول في عام 1354هـ / 1935م، ومنذ ذلك التاريخ تم التسجيل والتصوير السينمائي لمراحل التنقيب عن البترول والماء في المنطقة الشرقية وهذا العمل الفني يدل دلالة كبيرة على تفهم الملك عبدالعزيز لعملية التوثيق المرئي (السينمائي) لمنجزات خيرات البلاد.. ثم عرضها في المناسبات الوطنية، وكذلك في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز (رحمه الله) يتم عرض هذه الأفلام الوثائقية، وأكبر دليل على ذلك الفيلم الذي يتحدث عن اكتشافات البترول الذي دشنه الملك عبدالعزيز عام 1357هـ / 1939م خلال تفقده للمنشآت البترولية في المنطقة الشرقية مع الملك سعود عندما كان وليًا للعهد، وغيرها من الأفلام السينمائية الوثائقية التي سجلت في الأعوام 1364هـ / 1945م، 1366هـ / 1947م، ثم عرضت هذه الأفلام من قبل شركة أرامكو بالمنطقة الغربية وفي باقي مدن المملكة، وكذلك عرضت هذه الأفلام بالطائف في أعوام السبعينات والثمانينات الهجرية، وكان عرض الأفلام السينمائية في ميدان حدائق نجمة بشارع الملك سعود، خلال أشهر الصيف يوميًا، كما أنتج فيلم سينمائي عالمي قصة فتح مدينة الرياض الذي يوضح الملحمة البطولية لدخول الملك عبدالعزيز آل سعود الرياض عام 1319هـ، فقد مثل دور الملك عبدالعزيز في هذا الفيلم السينمائي المذيع المشهور عيسى خليل صباغ، وعرض هذا الفيلم في القنوات الفضائية السعودية والعربية في المناسبات الوطنية للمملكة.
وكذلك تم عرض الأفلام السينمائية الثقافية والتاريخية في بعض مدن المملكة وكانت دور السينما تعرض الأفلام بجميع أنواعها الفنية إلى عهد الملك فيصل في أواخر عام 1396هـ حينما بدأ يأفل نجم العرض السينمائي بالطائف، وأصبح التلفاز الوسيلة الإعلامية المميزة في ذلك التاريخ..
ويذكر الأديب والكاتب أستاذنا الكبير عبدالله عمر خياط ـ أمد الله في عمره ـ في مقابلة صحفية أجريت له معه ونشرت بجريدة المدينة المنورة بالعدد 14249 بتاريخ 15/2/1423هـ، حول موضوع السينما في مكة المكرمة حيث قال: وأول من جاء بالسينما كان بيت حسنين، ثم حسني كعكي، وكذلك تعرض الأفلام السينمائية في بيت تحسين السقاف الذي كان مجلسًا متنوعًا من الأدب والثقافة والفن والطرب والشعر وأصول البلاغة، وغيرها من الأماكن ومن حوش إلى حوش ومن بيت إلى بيت تعرض الأفلام وذلك بواسطة ماطور الكهرباء.
وكما ذكر المؤرخ والكاتب الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي في ملحق (المجلة الثقافية) بجريدة الجزيرة عدد الملحق 263 بتاريخ 24/12/1429هـ ص19، بأن عرضت حكومة البحرين شريطًا سينمائيًا عن المياه في المملكة العربية السعودية استغرق نصف ساعة، وقد شرف حفلة العرض الأول صاحب العظمة الشيخ سلمان حاكم البحرين المعظم وسمو وزير المعارف وكثير من الأمراء والوجهاء، كما استعارت مديرية المعارف هذا الفيلم وبدأت بعرضه في المدارس السعودية ليطلع عليه الطلاب وأولياء الأمور.
كما عرضت قناة البحرين الفضائية مؤخرًا فيلمًا سينمائيًا لسباق الخيل بالبحرين في موقع الصخيرة عام 1357هـ / 1939م وذلك بحضور الملك عبدالعزيز آل سعود مع أخيه سمو الأمير حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، وعرض هذا الفيلم يوم الثلاثاء الموافق 25/12/1429هـ بعد صلاة العصر، وبهذا لم ينكر المغفور له الملك عبدالعزيز، الملك سعود، والملك فيصل رحمهم الله جميعًا، هذه الأعمال الفنية التي تعرض في جميع المناسبات الوطنية وكذلك عرضها في الدول العربية من إنجازات تنموية ومشاريع تطويرية ومجالات اقتصادية وثقافية وإعلامية، بتعريف المواطن والمقيم بهذه الإنجازات الوطنية. وأما السينما بالطائف فكانت نقلة نوعية من الثقافة الإعلامية وحدثًا جديدًا لمواطني الطائف، فقد بدأت دور السينما تنتشر في كافة أحياء الطائف، يرتادها جميع شرائح المجتمع من مثقفين وأدباء وشعراء وعسكريين ومدنيين وكثير من طبقات الشعب على مختلف تنوعاتهم الفكرية، وفي عهد الملك عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) وأثناء زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله) (الملك) إلى مدينة الطائف مع بداية عام 1372هـ من شهر محرم، فقد وجهت لسموه الكريم الدعوة لحضور حفل الغداء الذي أقامه منسوبو الضباط العسكريين في نادي الضباط بالقشلة، فقد شاهد سموه عرضًا سينمائيًا وخلال الحفل أعلن سموه بإهداء إلى نادي الضباط عدة مكائن سينمائية وخمس ثلاثين شاشة عرض للصور المتحركة (آلة سينما) وقد تم تأمين عدد من الأفلام العسكرية والحربية للنادي وفي نهاية الحفل تم توزيع الساعات والهدايا لكل ضابط وفرد من جنودنا البواسل، وبهذا دخل العصر الذهبي للمملكة باستخدام الكهرباء والآلات والمكائن الكهربائية الحديثة (2).
فقد ذكر المؤرخ الأستاذ محمد خلف الزايدي، والأستاذ نايف محمد سعيد العصيمي عن تاريخ السينما في مدينة الطائف، وكانت تقوم بمهمة كبيرة في المجال الترفيهي والتربوي وتعتبر وسيلة إيضاح في ذلك التاريخ. كما أفاد كل من محمد الزايدي،
والعميد متقاعد محمد بن عبود الشهراني بأن العرض السينمائي في سينما نادي الضباط الواقع بالقشلة العسكرية كانت به نخبة من رجال الأمن والأدب وهم محمد الطيب التونسي (فريق أول متقاعد مديرًا للأمن العام ثم سفيرًا رحمه الله)، وعلي الشاعر (فريق متقاعد ثم سفيرًا لدى لبنان ثم وزيرًا للإعلام)، وكذلك الأستاذ حازم صبغة الله، وإمام علي السوداني،
كما كان المسؤول عن السينما الملازم أول محمد بن عبود الشهراني عام 1377هـ، وكانت صالة العرض تقع في الجهة الغربية من القشلة، ومن الصدف الحقيقية بأن الشيخ عبدالرحمن آل الشيخ رئيس هيئة الأمر بالمعروف بالطائف يعلم مواقع دور السينما بحي الشرقية (سكناه) لم يعترض على ذلك ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ وكذلك بعض العلماء الذين يأتون إلى الطائف في فصل الصيف لم يعترضوا على إقامة دور السينما ليليًا (رحم الله أيام زمان) (الزمن الجميل).
أما مواقع الدور السينمائية بمدينة الطائف من عام 1369هـ إلى عام 1396م:
* سينما نادي الضباط بالجيش، مبنى القشلة العسكرية قديمًا / حي العزيزية حاليًا.
* سينما البعثة البريطانية للتدريب، مخيم البعثة حاليًا موقع حديقة الملك فهد بالخالدية.
* سينما عثمان عوض السوداني / السلامة.
* سينما الجبلول / حي الشرقية.
* سينما أبو رأس / حي اليمانية (الحفر).
* سينما الششة / حي الشرقية (أبو وسيم).
* سينما بن مرعي القحطاني / حي الشرقية.
* سينما أبو الروس / الردف.
* سينما أحمد بن حمدي / حي الشرقية.
* سينما الجمجوم / في مسبح عكاظ قديمًا.
* سينما ابن جماح / العزيزية.
* سينما مدارس الجيش / حي قروى.
* سينما نادي عكاظ / حي الشرقية.
* سينما الشهري / حي الشرقية.
* سينما النادي الأدبي / حي قروى.
كما أفاد الأديب والكاتب الدكتور حمد زيد الزيد حول السينما بالطائف، فقد أفاد بقوله: بأنه كانت تعرض الأفلام السينمائية عندما تم تأسيس النادي الأدبي عام 1395هـ، وهي من أهم القنوات الفكرية والأدبية بالطائف وخلال ترؤسه النادي عام 1395هـ، بدء في عرض الأفلام الوثائقية والتاريخية والدرامية والفنية، حتى تركه النادي ما بعد عامي 96/1397هـ، وكان العرض مستمرًا وكان موقع النادي الأدبي بحي قروى، وكان الإقبال على النادي الأدبي من رجال الأدب والثقافة ومن رجال المجتمع. كما ذكر د. الزيد بقوله: بأن الرئيس محمد أنور السادات خلال زيارته لمدينة الطائف في عهد الملك فيصل رحمه الله، كان يسكن الرئيس المصري والوفد المرافق له بحي قروى جوار النادي الأدبي، وسمع عن الأفلام المصرية التي كانت تعرض في هذا التاريخ، وكانت الأفلام والمكائن السينمائية تؤجر على المواطنين في المناسبات والأفراح والأعياد والأيام العادية، وأغلب هذه المحال تحت عمارة السبيعي، وحي السلامة، وكذلك كانت تعرض الأفلام في بعض بيوت وأعيان أهالي الطائف في ذلك التاريخ. لذا فنحن بحاجة إلى نهضة ثقافية وفنية وتوعوية شاملة.
الأمل كبير من وزير الثقافة والإعلام بإصداره التعليمات في تفعيل دور المسرح المرئي (السينمائي) في المجال الإعلامي التثقيفي باعتباره أحد روافد الفن السابع الوطني وفق برنامج وجدول متزامن مع مسيرة النهضة التنموية المباركة.
-------------
المصادر :
(1) جريدة الجزيرة ، عدد 13258 بتاريخ 18/1/1430هـ .
(2) جريدة أم القرى ، عدد 1432 بتاريخ 13/1/1372هـ .
-----------------
essa.5@hotmail.com