ـ أخرج ( البخاري ) و ( مسلم ) في صحيحهما : ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَاشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا
فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ
مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ ))
وجاء في ( السنن الكبرى ) لـ( البيهقي ) : (((باب تأخير الظهر في شدة الحر) (أخبرنا) أبو الحسن محمد بن الحسين بن
الفضل القطان ببغداد ثنا أبو سهل بن زياد القطان ثنا اسمعيل بن اسحاق القاضي ثنا علي ثنا سفيان ثنا الزهري عن
سعيد عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا اشتد الحر فابردوا بالصلوة فان شدة الحر من فيح
جهنم واشتكت النار إلى ربها عزوجل فقالت رب أكل بعضى بعضا فاذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف
فهو أشد ما تجدون من الحر واشد ما تجدون من الزمهرير ))
ـ قوله ( فأبردوا بالصلاة ) قال ( ابن قدامة ) في ( معنى الإبراد ) : ((وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ بِهَا ، تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَنْكَسِرَ الْحَرُّ ،
وَيَتَّسِعَ فِي الْحِيطَانِ))
أي أخروها إلى أن يبرد الوقت .
و هذا الإبراد ، و التأخير عن أول الوقت أمر مستحب ، و ليس بواجب مستحب للمقيم ، و المسافر ، و المجاهد ، و المرأة
في البيت ؛ مستحب للجميع ؛ لأنه رخصة .
و الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ شديد التعجيل للظهر إلا للإبراد في شدة الحر كان يؤخرها
أخرج ( الترمذي ) في سننه : (( عن أم سلمة أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلا للظهر منكم
وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث عن إسمعيل ابن علية عن ابن جريج عن ابن أبي
مليكة عن أم سلمة نحوه .))
ـ وجاء في تحديد طول ( الفيء ) بالأقدام في حديث أخرجه ( أبو داود ) في سننه و اللفظ له
و ( النسائي ) كذلك .
(( عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ
كَانَتْ قَدْرُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةَ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدَامٍ وَفِي الشِّتَاءِ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ إِلَى
سَبْعَةِ أَقْدَامٍ ))
الأظهر في تحديد طول ( الفيء ) الظل للإبراد بالأقدام ما قاله الشارح ، وهو الراجح : ((وَالْأَظْهَر أَنَّهُ لَا حَدّ [ بالأقدم ]
لِلْإِبْرَادِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْبِلَاد . . وَالْأَظْهَر أَنَّهُ لَا حَدّ لِلْإِبْرَادِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْبِلَاد ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى
فِي الْإِبْرَاد عَنْ نِصْف الْوَقْت . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . اِنْتَهَى )) و إذا أردت الاستزادة اقرأ الشرح أسفل .
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( فِي الصَّيْف ثَلَاثَة أَقْدَام إِلَى خَمْسَة أَقْدَام )
: أَيْ مِنْ الْفَيْء ، وَالْمُرَاد أَنْ يَبْلُغ مَجْمُوع الظِّلّ الْأَصْلِيّ وَالزَّائِد هَذَا الْمَبْلَغ لَا أَنْ يَصِير الزَّائِد هَذَا الْمَبْلَغ وَيُعْتَبَر الْأَصْلِيّ
سِوَى ذَلِكَ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : هَذَا أَمْر يَخْتَلِف فِي الْأَقَالِيم وَالْبُلْدَان وَلَا يَسْتَوِي فِي جَمِيع الْمُدُن وَالْأَمْصَار ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّة
فِي طُول الظِّلّ وَقِصَره هُوَ زِيَادَة اِرْتِفَاع الشَّمْس فِي السَّمَاء وَانْحِطَاطهَا ، فَكُلَّمَا كَانَتْ أَعْلَى وَإِلَى مُحَاذَاة الرُّءُوس فِي
مَجْرَاهَا أَقْرَب كَانَ الظِّلّ أَقْصَر ، وَكُلَّمَا كَانَتْ أَخْفَض وَمِنْ مُحَاذَاة الرُّءُوس أَبْعَد كَانَ الظِّلّ أَطْوَل ، وَلِذَلِكَ ظِلَال الشِّتَاء
تَرَاهَا أَبَدًا أَطْوَل مِنْ ظِلَال الصَّيْف فِي كُلّ مَكَان ، وَكَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة وَالْمَدِينَة وَهُمَا مِنْ
الْإِقْلِيم الثَّانِي ، وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الظِّلّ فِيهِمَا فِي أَوَّل الصَّيْف فِي شَهْر آذَار ثَلَاثَة أَقْدَام وَشَيْء ، وَيُشْبِه أَنْ تَكُون صَلَاته
عَلَيْهِ السَّلَام إِذَا اِشْتَدَّ الْحَرّ مُتَأَخِّرَة عَنْ الْوَقْت الْمَعْهُود قَبْله ، فَيَكُون الظِّلّ عِنْد ذَلِكَ خَمْسَة أَقْدَام ، وَأَمَّا الظِّلّ فِي الشِّتَاء
فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ فِي تِشْرِين الْأَوَّل خَمْسَة أَقْدَام أَوْ خَمْسَة أَقْدَام وَشَيْء وَفِي الْكَانُون سَبْعَة أَقْدَام أَوْ سَبْعَة أَقْدَام
وَشَيْء ، فَقَوْل اِبْن مَسْعُود يَنْزِل عَلَى هَذَا التَّقْدِير فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيم دُون سَائِر الْأَقَالِيم وَالْبُلْدَان الَّتِي هِيَ خَارِجَة عَنْ
الْإِقْلِيم الثَّانِي . اِنْتَهَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاة الصُّعُود : قَالَ وَلِيّ الدِّين هَذِهِ الْأَقْدَام هِيَ قَدَم كُلّ إِنْسَان بِقَدْرِ قَامَته .
قُلْت : ضَابِط مَا يُعْرَف بِهِ زَوَال كُلّ بَلَد أَنْ يُدَقّ وَتَد فِي حَائِط أَوْ خَشَبَة مُوَازِيًا لِلْقُطْبِ يَمَانِيًّا أَوْ شَمَالِيًّا فَيُنْظَر لِظِلِّهِ ، فَمهمَا
سَاوَاهُ فَذَلِكَ وَسَط النَّهَار ، فَإِذَا مَال لِلْمَشْرِقِ مَيْلًا تَامًّا فَذَلِكَ الزَّوَال وَأَوَّل وَقْت الظُّهْر ، فَكُلّ الْأَقْدَام إِذًا بِكُلِّ شَهْر
وَأَحْفَظهَا لِكُلِّ شَهْر بِكُلِّ فَصْل وَكُلّ بَلَد فَلَمْ أَرَ ضَابِطًا أَفْضَل مِنْ هَذَا . قَالَ عَلِيّ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاة : قَالَ السُّبْكِيُّ :
اِضْطَرَبُوا فِي مَعْنَى الْحَدِيث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ، وَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي الصَّيْف بَعْد
نِصْف الْوَقْت ، وَفِي الشِّتَاء أَوَّله وَمِنْهُ يُؤْخَذ حَدّ الْإِبْرَاد . اِنْتَهَى . وَالْأَظْهَر أَنَّهُ لَا حَدّ لِلْإِبْرَادِ ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ الْبِلَاد
، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي الْإِبْرَاد عَنْ نِصْف الْوَقْت . وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم . اِنْتَهَى ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَالْحَدِيث أَخْرَجَهُ
النَّسَائِيُّ .
و لهذا هيئة كبار العلماء في أحد فتاويها ترى أن الإبراد ، و تأخير إذا اشتد الحر حتى يظهر الفيء ، و الظل بجانب
الجدران ، و البيوت أفضل من صلاتها على وقتها .
إليك نص الفتوى : ((س: أحد الإخوة المشايخ اطلع على حديث الإبراد بصلاة الظهر في أيام الصيف وقرأه على الإخوان
وأمرهم بذلك فلم يوافقوه، وذكروا له أن الأمر يدل على الرخصة، وحديث الصلاة في أول وقتها مقدم على هذا الحديث،
وأن هذا ما عليه إخواننا أهل السنة في جميع البلاد حتى الحرمين الشريفين. فرفض الشيخ هذا القول وأصر على تأخير
الصلاة، واتبعه جماعة أقلية من الإخوان وصاروا يؤخرون الصلاة مع سماعهم للأذان والإقامة ثم يأتون في نفس المسجد
ويقيمون الصلاة فيصلونها. وهذا الأمر أدى إلى خلاف في نفوس الإخوان حتى حصلت بينهم نزاعات وخلافات أدت في
بعض الأحيان إلى السباب. وهذا الأمر مستمر منذ سنوات؟
ج: الأفضل في الصلوات أن تؤدى في أول وقتها، لما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله
عنه قال: « سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله قال: "الصلاة على وقتها » ولما رواه أحمد ومسلم
وغيرهما عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس » إلى
غير ذلك من الأحاديث الدالة على أفضلية الصلاة لأول وقتها، واستثني من ذلك صلاة الظهر عند شدة الحر وصلاة
العشاء، فأما صلاة الظهر فلما رواه أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا اشتد الحر فأبردوا الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم » .
ولما رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن
أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبرد"، ثم أراد أن يؤذن فقال له: "أبرد" حتى رأينا فيء التلول،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة » وروى النسائي عن
أنس رضي الله عنه قال: « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل » . وللبخاري
نحوه.
فالأفضل الإبراد بالظهر عملًا بهذا الحديث وما في معناه من الأحاديث الدالة على الإبراد بها عند شدة الحر فقط، وفيما
عدا ذلك تبقى على الأصل، فخير لكم أن تهتدوا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتؤخروا الأذان في شدة الحر إلى
الإبراد وتعجلوا به أول الوقت في غير ذلك حرصًا على الفضيلة وكثرة الأجر وتخفيفًا على الناس، وعلى تقدير وقوع
الأذان أول الوقت في شدة الحر فعلى الجميع أن يبادروا إلى الجماعة ويحرصوا على الصلاة مجتمعين. ولا تفرقوا فإن
الجماعة واجبة والفرقة محرمة، فلا يرتكب ذلك من أجل الحرص على فضيلة الإبراد ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.
وأما صلاة العشاء فلما رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم « كان يصلي الظهر
بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا أوجبت الشمس، والعشاء أحيانًا يؤخرها وأحيانًا يعجل، إذا رآهم قد
اجتمعوا عجل وإذا رآهم قد أبطئوا أخر، والصبح كانوا أو قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس » . (1) .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو // عضو // نائب رئيس اللجنة // الرئيس //
عبد الله بن قعود // عبد الله بن غديان // عبد الرزاق عفيفي // عبد العزيز بن عبد الله بن باز // ))
جاء في ( البخاري ) : ((عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ
أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَالَ أَبْرِدْ أَبْرِدْ أَوْ قَالَ انْتَظِرْ انْتَظِرْ وَقَالَ شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا اشْتَدَّ
الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ ))
قوله ( فيء التلول ) قال ( ابن الأثير ) في معنى ( الفيء ) : ((وأصْل الفَيء : الرجوع . يقال : فاءَ يَفيء فِئَةً وفُيُوءاً كأنه
كان في الأصل لهم فرَجَع إليهم . ومنه قيل للظِّل الذي يكون بعد الزوال : فَيْء لأنه يَرْجع من جانب الغَرْب إلى جانب
الشَّرق ))
فالفيء في هذا الحديث رجوع الظل من الغرب إلى الشرق بسبب زوال الشمس ؛ فيكون الوقت بعد الفيء أبرد من أول
وقت الظهر فتقام الصلاة إذا الفيء ، و لا تؤخر أكثر من ذلك .
ـ ( بنفسين ) النفس :ما يخرج من الجوف ، ويدخل فيه من الهواء .
ـ ( الزمهرير ) : قال ( ابن حجر ) : ((وَالْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّة الْبَرْدِ ، وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا إِشْكَالَ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ
بِالنَّارِ مَحَلّهَا وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ : وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرهمْ أَنَّ النَّارَ لَا تُخْلَقُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ .))
ـ ما الحكمة في إبراد الظهر ، و تأخيرها عن أول الوقت عند شدة الحر؟
هل هذا من أجل أن شدة الحر تذهب الخشوع في الصلاة ، و هو الراجح ؛ أو أنه وقت تسجر فيه النار ، وهو وقت غضب
لله ؛ فلا ينبغي في الدعاء ، و لا تكون فيه الاستجابة .
قال ( ابن حجر ) : ((وَهَلْ الْحِكْمَةُ فِيهِ دَفْع الْمَشَقَّة لِكَوْنِهَا قَدْ تَسْلُبُ الْخُشُوع ؟ وَهَذَا أَظْهَرَ ، أَوْ كَوْنهَا الْحَالَةَ الَّتِي يَنْتَشِرُ
فِيهَا الْعَذَابُ ؟ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَمْرو بْن عَبَسَة عِنْد مُسْلِم حَيْثُ قَالَ لَهُ " أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ اِسْتِوَاء الشَّمْس فَإِنَّهَا سَاعَة
تُسَجَّرُ فِيهَا جَهَنَّم " وَقَدْ اِسْتُشْكِلَ هَذَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ سَبَب الرَّحْمَةِ فَفِعْلَهَا مَظِنَّة لِطَرْدِ الْعَذَابِ . فَكَيْفَ أَمَرَ بِتَرْكِهَا ؟ وَأَجَابَ
عَنْهُ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمَرِيُّ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ إِذَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَجَبَ قَبُوله وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مَعْنَاهُ وَاسْتَنْبَطَ لَهُ الزَّيْنُ بْن الْمُنِيرِ
مَعْنًى يُنَاسِبُهُ فَقَالَ : وَقْت ظُهُور أَثَرِ الْغَضَبِ لَا يُنْجَعُ فِيهِ الطَّلَب إِلَّا مِمَّنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَالصَّلَاة لَا تَنْفَكُّ عَنْ كَوْنِهَا طَلَبًا
وَدُعَاءً فَنَاسَبَ الِاقْتِصَار عَنْهَا حِينَئِذٍ . وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ حَيْثُ اِعْتَذَرَ الْأَنْبِيَاءُ كُلّهمْ لِلْأُمَمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَضِبَ غَضَبًا
لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْله سِوَى نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَعْتَذِرْ بَلْ طَلَبَ لِكَوْنِهِ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ سَجْر جَهَنَّم سَبَب فَيْحِهَا وَفَيْحُهَا سَبَب وُجُودِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَهُوَ مَظِنَّة الْمَشَقَّة الَّتِي هِيَ مَظِنَّة سَلْب الْخُشُوع
فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُصَلَّى فِيهَا . لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ سَجْرَهَا مُسْتَمِرّ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَالْإِبْرَادُ مُخْتَصّ بِشِدَّةِ الْحَرّ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ ،
فَحِكْمَة الْإِبْرَاد دَفْعُ الْمَشَقَّة ، وَحِكْمَة التَّرْكِ وَقْت سَجْرِهَا لِكَوْنِهِ وَقْتَ ظُهُور أَثَرِ الْغَضَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .))
ـ قال ( ابن حجر ) : ((قَوْله ( مِنْ فَيْح جَهَنَّم )
أَيْ مِنْ سِعَةِ اِنْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا ، وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفْيَحُ أَيْ مُتَّسِع ، وَهَذَا كِنَايَة عَنْ شِدَّةِ اِسْتِْعَارِهَا ، وَظَاهَرَهُ أَنَّ مَثَار وَهَجِ
الْحَرُّ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَيْح جَهَنَّم حَقِيقَة ))
ـ لكن ما حكم ( الإبراد ) ( يوم الجمعة ) :
العلماء لا يرون الإبراد بالجمعة لثلاثة أسباب :
1 ـ أن السنة التعجيل إليها .
2 ـ لم يرد أن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أبرد بها أبدا .
3 ـ أن الإبراد بها كان فيه مشقة على الناس في عهد الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ ؛ لأنهم يعجلون إليها ؛ فلا يتغدون
، و يقيلون إلا بعد الجمعة ؛ فإذا أبرد عليهم شق عليهم . و هذا رأي ابن قدامة ، و ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى ،
و ابن حجر ، و غيرهم .
و لكن عصرنا الحاضر : الناس لا يعجلون عليها بل يتأخرون لأسباب متعددة قد يكون بسبب تأخرهم في نوم الليل ، و قد
يكون عدم التعود على التبكير إليها . و ـ أيضا ـ نقول : أن الناس اعتادوا الغداء بعد الجمعة ، و عندهم كفاية من النوم ؛
فلا يحتاجون إلى القيلولة إلا متأخرين
فقد يكون على هذا أن الإبراد بها جائز ؛ و لكن نحتاج إلى فتوى من أحد العلماء المجتهدين .
قال ( ابن قدامة ) : ((مَسْأَلَةٌ : قَالَ : ( وَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ ) الْمُسْتَحَبُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بَعْدَ
الزَّوَالِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
قَالَ مَسْلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ : { كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ، ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ .
} أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ، فَإِنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَقْتٌ لِلْجُمُعَةِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا قَبْلَهُ .
وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ إقَامَتِهَا عَقِيبَ الزَّوَالِ بَيْنَ شِدَّةِ الْحَرِّ ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ ، فَلَوْ انْتَظَرُوا
الْإِبْرَادَ شَقَّ عَلَيْهِمْ ، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ عَلَى مِيقَاتٍ
وَاحِدٍ .)) أي لم ينقل أن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ أبرد بصلاة الجمعة .
قال في ( المغني ) في موضع آخر : ((إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا تُصَلَّى إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ ؛ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ ، وَيَفْعَلُهَا
فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهَا فِيهِ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ ، وَيُعَجِّلُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي الشِّتَاءِ
وَالصَّيْفِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَجِّلُهَا ، بِدَلِيلِ الْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا ، وَلِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ لَهَا فِي أَوَّلِ
وَقْتِهَا ، وَيُبَكِّرُونَ إلَيْهَا قَبْلَ وَقْتِهَا ، فَلَوْ انْتَظَرَ الْإِبْرَادَ بِهَا لَشَقَّ عَلَى الْحَاضِرِينَ ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ
الْحَرِّ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ الَّتِي يَحْصُلُ أَعْظَمُ مِنْهَا بِالْإِبْرَادِ بِالْجُمُعَةِ .))
و قال ـ أيضا ً ـ في موضع آخر : ((فَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غَيْرِ إبْرَادٍ ؛ لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ
الْأَكْوَعِ ، قَالَ : { كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّهُ أَخَّرَهَا ، بَلْ كَانَ يُعَجِّلُهَا ، حَتَّى قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ : مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ .
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ التَّبْكِيرُ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا ، وَيَجْتَمِعُ النَّاسُ لَهَا ، فَلَوْ أَخَّرَهَا لَتَأَذَّى النَّاسُ بِتَأْخِيرِ الْجُمُعَةِ .))
أخيرا :
ـ قد يتوهم أن شدة البرد يجوز معها تأخير الصلاة حتى تزول شدة البرد ، و هذا غير صحيح ؛ لأن شدة البرد غالبا تكون
في صلاة الصبح ( الفجر ) ، و لا تذهب إلا بطلوع الشمس ، فتكون بذلك خرج الوقت الذي حدده الشارع لصلاة الفجر ، و
هذا لا يجوز .
منقول