كثيراً ما تطرح تساؤلات حول مدى مصداقية الإعجاز العلمي في "القرآن الكريم " وعن إخبار القرآن لبعض الحقائق العلمية مصداقاً لقوله تعالى " ولتعلمن نبأه بعد حين " ومدى تطابق تلك التلميحات القرآنية والإشارات النورانية مع الحقائق العلمية .
وقبل أن نوضح هذه الأمور يجدر بنا أن نشير إلى منهجين فيما يخص الإعجاز القرآني : 1- منهج يرى أن القرآن كتاب هداية ونور وتشريع وليس كتاب فيزياء أو جيولوجيا وعلى هذا الأساس فليس ثمة مايستدعي تفسير القرآن بالنظريات العلمية لأن هذه نظريات لم تصل الى مستوى الحقائق 2- منهج يؤمن بإعجاز القرآن العلمي ولكنه يغالي في ذلك مغالاة شديدة فيحمّل النص أكثر مما يحتمل ، ويلوي عنق الآية ، ويخرج عن المعنى الحقيقي إلى معنى مبالغ فيه يتفق وغايته ، من ذلك المسارعة إلى تفسير الفتق بالانفجار في قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا}، لمحاولة التقريب بين الآية و نظرية الانفجار الكبير مع أن كلمة الفتق من الناحية اللغوية لا تعنى أبدا الانفجار ..، ومثل ذلك تأويل النجم الثاقب بأنه الحيوان المنوي يثقب البويضة ، وتفسير نشأة الإنسان و الكائنات الحية بنظرية التطور الدارونية .
ولايقف أصحاب هذا المنهج عند هذا الأمر فحسب ، بل يلجأ إلى الحديث النبوي ويحاول تطبيق منهجه عليه ، ثم التكلف والتزوير والكذب من أجل إنجاح مسعاه وإثبات إعجاز الحديث ثم إشاعته بين الناس ظانا بذلك أنه يفعل خيراً ويزيد أيمان الناس بربهم عن طريق التحايل والخديعة ... لقد أدرك الدكتور " موريس بوكاي " مثل هذا الأمر فقال في كتابه ( التوراة والانجيل والقرآن والعلم الحديث ) ( لقد قمت بالمقارنة بين الملاحظات التي خرجت بها من دراسة الأحاديث وبين الملاحظات التي عرضتها من قبل فيما يختص بالقرآن والعلم الحديث، وكانت نتيجة هذه المقارنة مهمة جدًّا؛ لأن الفرق قد ظهر واضحًا ومدهشًا بين دقة المعلومة القرآنية وصحتها في حالة مقارنتها بمعطيات العلم الحديث، كلما كانت المعلومة راجعة إلى العلوم الكونية، وبين قابلية النقد الواضحة لبعض معلومات الحديث المتعلقة بموضوعات تدخل في صميم الميدان العلمي"
وفي موضع آخر تبنى بوكاي مذهب ابن خلدون، أو اجتهد من عند نفسه، ليقرر أن ما كان من أحاديث في أمور الدنيا مما لا علاقة لها بالدين، فهي قد تكون أحاديث صحيحة، ولكن ما دامت أمرًا من الأمور الدنيا، فلا فرق عندئذ بين النبي (صلى الله عليه وسلم) وبين غيره من البشر.
مستشهداً في هذا الشأن بقوله صلى الله عليه وسلم _( إنما انا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر ) هذا كلام رائع حقاً ، لأن الكثيرً من أحاديث الرسول ص تتحدث في امور الدنيا فالرسول في النهاية هو ابن بيئته وهو بشر يخطئ ويصيب ، فاللباس والطعام ووسائل النقل وطرق العلاج والطبابة من حجامة وفصد وكيّ كلها معروفة في الجاهلية ولم تكن بدعاً أحدثها النبي ... وعلى هذا الأساس فأي وصف للأحاديث الطبيّة بانها معجزة هو هراء وكذب ولاتفيد الإسلام بقدر ماهي تضره ..
وكلا المنهج مجانب للحق والحقيقة ، ففي القرآن حقاً آيات معجزة تسبق زمنها دون الحاجة إلى اعتساف النصوص كما يفعل منظرو الإعجاز .. يقول موريس بوكاي ( لو كان قائل القرآن إنساناً فكيف يستطيع في القرن السابع ان يكتب حقائق لاتنتمي إلى عصره ) ويقول ( بالنظر إلى مستوى المعرفة في أيام محمد فإنه لا يمكن تصور الحقائق العلمية التي وردت في القرآن على أنها من تأليف بشر )
وقبل البدء في سرد بعض الآيات الإعجازية نشير إلى أن القرآن – قبل كل شيء – كتاب هداية لم ينزله الله مصدراً للمعارف العلمية وإنما هو رسالة تستنهض العقل للتامل في خلق الله ونواميس الطبيعة ...
والآيات المعجزة كثيرة نذكر منها ابتداءً : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) والحقيقة الثابتة التي يؤكدها علماء الأحياء هي أنه لاوجود للحياة من دون ماء . ( وأرسلنا الرياح لواقح فانزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ) العلم الحديث يقول إن الرياح تقوم بتلقيح السحاب بما يتسبب في نزول المطر
( فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجا كأنما يصعّد في السماء ) أثبت العلم أن الارتفاع عن سطح الأرض يؤدي إلى نقص الاكسجين
ملحوظة : أشير إلى الأخوة بعدم طرح آراء مفسرين تصطدم بظاهر الآيات ، فالله يقول ( ثم إن علينا بيانه ) والمفسرون بالنهاية بشر ، والخطأ منهم وارد ، وما أحسن قول الطبري في بعض تفسيره ( هذا مما لاعلم لنا به ) كما اتمنى ان يكون نقاشنا على قدر من الوعي والموضوعية وان نبتعد عن الإسفاف والتجريح وعدم الخروج عن محور النقاش
تحياتي
منقول .. الموضوع في نظري اكثر من رائع لذا احببت النقل