أقرب معلم
عندما كنت صغير، سألت عن الله...؟ فقالوا انه في السماء...
فنظرت إلى السماء وقلت: كم هو بعيد....!!!
وعندما كبرت قليلاً، سألت عن الله...؟ فقالوا أنه يرانا ولا نراه...
فنظرت إلى السماء وقلت: كم هو كبير...!!!
وعندما كبرت أكثر عدت وسألت عن الله...؟ فقالوا إن عنده الجنة والنار...
فنسيت الله......... ورحت أسال عن الجنة والنار..؟
فقالوا لي: غداً عندما تكبر وتذهب إلى المدرسة ستتعلم كل شيء.
فسكت وتوقفت عن الأسئلة لأنهم قالوا لي أنني سأعرف كل شيء عندما أكبر.
وكبرت أكثر ودخلت المدرسة ونسيت كل أسئلتي.. فقد علموني من دون أن أسأل.... أن الجنة أعناب وأنهار وحور عيون وكل ما يطلب يجاب. وأن النار.. جهنم الكفار ومؤول كل خطاء. وعلموني أن هناك عقاب وثواب ويوم حساب.
وعلموني أن هناك أديان وعبادات ومذاهب وتفريقات ورسل وأنبياء وكهنة وشيوخ ونساك وتعاليم وأوقات صلاة وأركان وفرائض وترتيلات.. ومساجد وكنائس ومعابد وخلوات.
وعلموني... أن لكل دينه وعقيدته ولكل عبادته وطقوسه.. وعلموني ماذا يجب أن أقول عند كل قيام وقعود وعند كل دخول وخروج وعند النوم وعند الاستيقاظ وقبل الطعام وبعد الطعام وعند كل فعل من أفعالي حتى أصبحت في أحسن برمجةٍََ لحسن السلوك.....!!!!!
ولكن كنت قد سألتكم عن الله....؟
فقالوا لي غداً عندما تكبر أكثر ستعرف أكثر..
وكبرت أكثر وتعلمت أكثر وقرأت أكثر وسمعت أكثر، خفت أكثر وتألمت أكثر واحترت أكثر.... ولكني أبداً لم أعرف أكثر.
وبقي السؤال...
وبقيت أبحث عند الجميع وبقيت اسأل الجميع وكبرت حيرتي فقد صار عندي أكثر من حقيقة، فكلٌ كان يعطيني حقيقته هو..
ولكن أين الحقيقة...؟؟
وبقي السؤال...
إلى أن أتى يوم مللت فيه من البحث وتعبت من الأسئلة، فتوقفت عن السؤال، وتوقفت عن طلب الجواب ورميت كل ما علموني إياه بعدما صار عبئاً ثقيلاً في قلبي... وتوقفت عن كل شيء وتركت الجميع..
وجلست في صمت ْ...........................................
بدأ الضجيج الذي بداخلي يهدأ وكل ضوضاء الأسئلة والأجوبة يهدأ وبدأ كل شيء في يهدأ.
فانتبهت للصمتْ............................................ ..
ثم صار الهدوء أكثر هدوءاً.. والصمت أكثر صمتاً
فأمعنت بالصمتْ....................................
وصمتُ أكثر وأكثر وأكثر إلى أن دخلت في الصمتْ.................
وغبت في الصمتْ
في ذلك اليوم، كنت قد كبرت وعرفت....
عرفت أول حقيقة اختبرتها ولم أتعلمها.. لأنني لم أسأل عنها، ولم يكن باستطاعتي أن أعرفها قبلاً فقد كنت في قلب الضجيج، ضجيج الأسئلة والأجوبة والبحث عند الجميع. جميع... من يظنهم الجميع... أنهم بعرفون...!!!!
ولكن ما من أحد يعرف حقيقة نفسي إلاّ نفسي
في ذلك اليوم عرفت أن أصدق معلم لي... وأحلى معلم لي.. وأقرب معلم لي...... هو نفسي.
نفسي التي جعلتني أختبر الجواب من دون سؤال.. وجعلتني أتذوق وجوداً جديداً.. عندما أسمعتني صوت الصمتْ.
نفسي التي تمنحني في كل لحظة أحياها، علماً جديداً ونوراً جديداً وحقاً جديداً.. ففي كل لحظة جديدة لي يوجد وجود جديد،
ومع كل جديد ُأخلق من جديد.. لأعرف من جديد.. وأحيى من جديد بوجود جديد.. لأعود إلى نفسي بصمتْ.
ومنذ ذلك اليوم لم أعد أسأل أحداً عن الله...
و لم أعد أنظر إلى السماء لأقول: كم هو بعيد...!
بل صرت أنظر إلى كل ما حولي لأقول... كم أنت جميل.
وصرت أنظر لكل من حولي لأردد:
" لا تقل إن الله في قلبي... بل قل أنّي في قلب الله"